المختار بالكذب وقلة الدين ().
ظهر المختار في الكوفة في الوقت الذي كان فيه سليمان بن صرد الخزاعي
-زعيم التوابين- يستعد للذهاب إلى الشام, لقتال عبيد الله بن زياد, فحاول تثبيط الناس عنه, وقد نجحت دعايته وتجمع حوله نحو ألفين من الشيعة, وبقيت غالبيتهم مع سليمان بن صرد, وكانت نتيجة معركة عين الوردة من مصلحة المختار, فقد جاءته مصدقة لتوقعاته, كما أنه انفرد بزعامة الشيعة, ولجأ إليه الفارون من المعركة, فقويت حركته وكثر أتباعه, ثم ازداد مركزه قوة بانضمام إبراهيم بن الأشتر النخعي إليه, وهو من زعماء الكوفة, فثار على عبد الله بن مطيع العدوي, أمير الكوفة, من قبل عبد الله بن الزبير, فأخرجه منها وأحكم سيطرته عليها.
قضاء المختار على قتلة الحسين:
ولكي يثبت دعواه في صحة دعوته في المطالبة بدم الحسين, فقد تتبع قتلته فقتل معظمهم في الكوفة () , ثم أعد جيشًا جعل على قيادته إبراهيم بن الأشتر, وأرسله إلى قتال عبيد الله, فالتقى به عند نهر الخازر بالقرب من الموصل, وحلت الهزيمة بجيش ابن زياد, الذي خر صريعًا في ميدان المعركة سنة 67هـ ().
وقد قال ابن مفرّغ حين قتل ابن زياد:
إن المنايا إذا ما زُرن طاغية
هتكن أستار حُجّاب وأبواب
أقول: بُعدًا وسحقًا عند مصرعه
لابن الخبيثة وابن الكودن الكابي ()
لا أنت زُوحِمت عن مُلك فتمنعه
ولا متَتَّ إلى قوم بأسباب ()
وقد شرع المختار في تتبع قتلة الحسين ومن شهد الوقعة بكربلاء من ناحية ابن زياد, فقتل منهم خلقًا كثيرًا, وظفر برءوس كبار منهم, كعمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الجيش الذي قتل الحسين, وشمر بن ذي الجوشن أمير الألف الذي وَلُوا قتل الحسين, وسنان بن أبي أنس, وخوليّ بن يزيد الأصبحي, وخلقٍ غير هؤلاء ().
وكان مقتل عبيد الله بن زياد في يوم عاشوراء سنة سبع وستين, ثم بعث إبراهيم بن الأشتر برأس ابن زياد إلى المختار () , وتعاظم نفوذ المختار بعد انتصار جيشه على جيش ابن زياد, وسيطر على شمال العراق والجزيرة, وجعل يولي العمال من قبله على الولايات () , ويجبى إليه الخراج, وانضم إليه عدد كبير من الموالي لبغضهم لبني أمية من ناحية () , ولأنه أغدق عليهم الأموال من ناحية ثانية (). وبدا كما لو أنه أقام دولة خاصة به في العراق بين دولتي ابن الزبير في الحجاز, وعبد الملك بن مروان في الشام ().
1 - أسباب نجاح حركة المختار في مرحلتها الأولى:
نجحت حركة المختار في بداية الأمر للأسباب الآتية:
أ- الأرضية الملائمة, حيث العواطف ثائرة, والنفوس مشحونة, في وقت كانت حركة التوابين تلقى مصيرها الذي اختارت, عبر عملية استشهادية في نظر التوابين كان لها صداها المأساوي في الكوفة, ومن ناحية أخرى, فإن ابن الزبير لم يدعم وجوده بالكوفة بالجيوش وإغداق الأموال والتلطف للأعيان والأشراف والزعماء, وكانت وجهة نظره معتمدة على ترك تطاحن الأمويين مع اتباع المختار وما يترتب على ذلك من استنزاف لهما, ليكون ابن الزبير هو المستفيد من نتائج ذلك التطاحن ().
ب- تودد المختار لبني هاشم, فكان يرسل الهدايا لهم, وعمل على كسبهم ().
ج- الشخصية القيادية البارزة التي تمتع بها المختار, في الوقت الذي غابت فيه عن الكوفة الزعامة السياسية المحورية, القادرة على توحيد اتجاهات الحركة الشيعية واستيعاب التطورات المتلاحقة, ولا نهمل المكر والدهاء والمرونة, والقدرة على استثمار الأحداث من مقتل الحسين, وحجر بن عدي, والتوابين, وتوظيف ذلك, كما امتازت شخصية المختار بقدرتها على المناورة ().
د- البرنامج العملي الذي تقدم به, كان المدخل الاستقطابي لشريحة عريضة في المجتمع كانت مضطهدة ومسحوقة؛ وهي شريحة الموالي التي وجدت في حركته المتنفس لتحقيق أهدافها في المساواة وتحسين أوضاعها الاجتماعية ().
هـ- سوء اختيار ابن الزبير لعماله في الكوفة, ويبدو أنهم لم يكونوا على قدر المرحلة, ولذلك انفلتت الأمور من أيديهم في الكوفة ().
2 - نهاية المختار على يد مصعب بن الزبير
¥