تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان من المتوقع أن تكون نهاية المختار على يد عبد الملك الذي وتره بقتل ابن زياد أبرز أعوانه, ولكن عبد الملك كان من الدهاء بحيث أدرك أن ابن الزبير, وإن كان قد أسعده ظهور المختار في البداية وقهره لجيش عبد الملك () , إلا أنه لن يسمح لنفوذه أن يتسع ويهدد دولته, وأنه لابد أن يتحرك للقضاء عليه, فآثر الانتظار وترك ابن الزبير يواجه المختار, لأن نتيجة المواجهة ستكون في صالحه, فسوف يقضي أحدهما على صاحبه, ومن يبقى, تكون قوته قد ضعفت فيسهل له القضاء عليه, وقد حدث ما توقعه عبد الملك, فإن المختار لم يكتف بانتصاره على جيش عبد الملك وبسط نفوذه على شمال العراق والجزيرة, بل أخذ يعد نفسه للسير إلى البصرة لانتزاعها من مصعب بن الزبير الذي أصبح واليًا عليها من قبل أخيه عبد الله بعد أن بايعه أهلها, وهنا أصبح الصدام محتومًا بين المختار وآل الزبير () , فسار مصعب بن الزبير بنفسه إلى قتال المختار في جيش هائل, فحاصره بالكوفة وضيق عليه وما زال حتى أمكن الله منه, فقتله واحتزَّ رأسه, وأمر بصلب كفِّه على باب المسجد, وبعث مصعب برأس المختار مع رجل من الشُّرط على البريد إلى أخيه عبد الله بن الزبير, فوصل مكة بعد العشاء, فوجد عبد الله يتنفَّل, فما زال يصلي حتى أسحر ولم يلتفت إلى البريد الذي جاء بالرأس, فقال: ألقه على باب المسجد, فألقاه ثم جاء فقال: جائزتي يا أمير المؤمنين. فقال: جائزتك الرأس الذي جئت به تأخذه معك إلى العراق.

ثم زالت دولة المختار كأن لم تكن, وكذلك سائر الدول, وفرح المسلمون بزوالها؛ وذلك لأن الرجل لم يكن في نفسه صادقًا, بل كان كاذبًا, وكاهنًا, وكان يزعم أن الوحي ينزل عليه على يد جبريل يأتي إليه () , وعن رفاعة بن شداد قال: كنت أقوم على رأس المختار, فلما عرفت كذبه هممت أن أسُلَّ سيفي فأضرب عنقه, فذكرت حديثًا حدثناه عمرو بن الحمق قال: سمعت رسول الله × يقول: «من أمَّن رجلاً على نفسه فقتله, أعطي لواء غدر يوم القيامة» () , وقد قيل لابن عمر: إن المختار يزعم أن الوحي يأتيه. فقال: صدق, قال الله تعالى: +وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ" [الأنعام:120]. وعن عكرمة قال: قدمت على المختار, فأكرمني وأنزلني حتى كان يتعهد مبيتي بالليل, قال: فقال لي: أخرج فحدِّث الناس. قال: فخرجت, فجاء رجل فقال: ما تقول في الوحي؟ فقلت: الوحي وحيان, قال الله تعالى: +بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ" [يوسف:3] وقال تعالى: +وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا" [الأنعام:112] قال: فهمُّوا بي أن يأخذوني, فقلت: ما لكم وذلك, إني مفتيكم وضيفكم, فتركوني, وإنما أراد عكرمة, أن يعرض بالمختار وكذبه في ادعائه أن الوحي ينزل عليه ().

قال ابن كثير: وذكر العلماء أن الكذَّاب هو المختار بن أبي عبيد, وكان يظهر التشيع ويبطن الكهانة ويُسر إلى أخصائه إلى أنه يوحى إليه. ولكن ما أدري هل كان يدعي النبوة أم لا؟ , وكان قد وضِع له كرسي يُعَظَّم ويُحَفُّ بالرجال ويستر بالحرير, ويحمل على البغال, وكان يُضاهى به تابوت بني إسرائيل المذكور في القرآن, ولا شك أنه كان ضالاً مضلاً, أراح الله المسلمين منه بعدما انتقم به من قوم آخرين من الظالمين () , قال تعالى: +وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [الأنعام:129] , وتسليط الظالم على الظالم سنة من سنن الله في حركة المجتمعات واضحة المعالم في دراسة تاريخ الإنسانية.

3 - أسباب فشل حركة المختار:

أ- نفور أشراف العرب في الكوفة -وما يمثلون من حول وقوة- وقتالهم له, ثم توجه من سلم إلى مصعب بن الزبير في البصرة واشتراكهم معه في القتال ضد المختار.

ب- إصابته بالغرور بحيث إنه طرد عمر بن علي بن أب طالب لأنه لم يحضر له كتابًا من ابن الحنفية حيث قال له: انطلق حيث شئت فلا خير لك عندي () , فتركه وذهب إلى مصعب ليعود معه ليقاتله.

ج- تجهيز مصعب جيشًا كبيرًا وانضمام المهلب بن أبي صفرة واشتراكه معه في القتال. بينما لم يشترك قائد المختار -إبراهيم بن الأشتر- ولذلك لم يكن القتال متعادلاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير