رَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي قُدَامَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ قَالَ: سُئِلَ الْخَلِيلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَبْطَأَ بِالْجَوَابِ فِيهَا قَالَ: فَقُلْتُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلُّ هَذَا النَّظَرِ قَالَ: فَرَغْتُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابِهَا وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجِيبَك جَوَابًا يَكُونُ أَسْرَعَ إلَى فَهْمِكَ قَالَ أَبُو قُدَامَةَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُبَيْدٍ فَسُرَّ بِهِ ().
وقال ابنُ دقيق العيد: «ما تكلمتُ بكلمةٍ ولا فعلتُ فعلاً إلا أعددتُ لذلك جواباً بين يدي الله تعالى» ().
وقال سُحْنونُ: «كَانَ بعضُ مَنْ مَضَى يريد أنْ يتكلمَ بالكلمةِ ولو تكلم بها لانتفع بها خلقٌ كثير، فيحبسها ولا يتكلم بها مخافة المباهاة، وكان إذا أعجبه الصمت تكلم، ويقول: أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما» ().
وإذا أردتَ المزيدَ من أخبار السلف في هذا الباب فراجع كتاب "الصمت" لابنِ أبي الدنيا "باب قلة الكلام والتحفظ في النطق"، وسترى ما يطول منه عجبك، وتعرف قدر نفسك والله المستعان.
??????
(19)
الدَّاعِيَة البَصِير ..
مباركٌ أينما كان
قال عيسى #: ? ??????????? ?????????? ?????? ??? ????? ? [مريم:31] "أي: في أي مكان, وأي زمان، فالبركة جعلها الله فيَّ من تعليم الخير والدعوة إليه, والنهي عن الشر, والدعوة إلى الله في أقواله, وأفعاله فكل من جالسه, أو اجتمع به, نالته بركته, وسعد به مصاحبه" ().
قال ابنُ القيم: «وسمعتُ شيخ الإسلام ابنَ تيمية قدس الله روحه يقولُ:
– إنَّ في الدنيا جنةً من لم يدخلها لا يدخلُ جنة الآخرة.
– وقال لي مرةً: ما يصنع أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحتُ فهي معي لا تفارقني، إنَّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.
– وكان يقولُ في محبسه في القلعة: لو بذلتُ ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هده النعمة أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا.
– وكان يقولُ في سجودهِ – وهو محبوسٌ –: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ما شاء الله.
– وقال لي مرةً: المحبوسُ من حُبس قلبه عن ربه تعالى والمأسور من أسره هواه.
ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: ? ???????? ????????? ??????? ????? ????? ?????????? ????? ??????????? ???????????? ??? ???????? ??????????? ? [الحديد:13].
وعَلِم الله ما رأيتُ أحداً أطيب عيشاً منه قط مع كل ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه.
وكنّا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحها وقوة ويقينا وطمأنينة فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها» ().
وقالَ محمدُ المقدم: «وأعرف أخاً يعيش في ألمانيا أحسبه – والله حسيبه – مجتهداً في الدعوة إلى الله غاية الاجتهاد، حتى لا يكاد يذوق طعماً للراحة، وقد استحوذت الدعوة على كيانه، حتى أرهق نفسه، وشغل عن بيته وأهله وولده، فرأى إخوانه أن يمنح عطلة إجبارية، وذهبوا به صحبة أسرته إلى منتجع ناء لا يعرفه أحد، ولا يعرف فيه أحداً، كي يهنأ ببعض الراحة، وواعدوه أن يعودوا لإرجاعه بعد أيام، ولما رجعوا إليه وجدوه قد أسس جمعية أسلامية في هذا المكان قوامها بعض العمال المغاربة وغيرهم ممن انقطعت صلتهم بالدين، ففتش عنهم في مظان وجودهم، ودعاهم إلى طاعة الله سبحانه وألف بينهم، وأقاموا مسجداً كان فيما بعد منطلقا للدعوة إلى الله في تلك البلدة» ().
حقاً هذا هو الدَّاعِيَة البَصِير المبارك، والله المستعان.
??????
(20)
الدَّاعِيَة البَصِير ..
لا يُشغل نفسه بالآفات ما لم تعترضه
¥