[حمل كتاب (تصحيح الحديث عند ابن الصلاح للشيخ حمزة المليباري)]
ـ[السيف المجلى]ــــــــ[11 - 08 - 02, 11:43 ص]ـ
تصحيح الحديث
عند
الإمام ابن الصلاح
دراسة نقدية
بقلم
د. حمزة عبد الله المليباري
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي القارئ.
بفضل من الله تعالى أقدم لإخواني طلاب الحديث وعشاقه نمودجا من الدراسات النقدية، التي أصبحت اليوم محل اهتمامهم البالغ، عسى أن تدفعهم نحو فهم صحيح لمحتوى علوم الحديث، وأن يفتح لهم آفاقا جديدة من البحوث المبتكرة حول مسائلها المعقدة، والتي من الصعب حلها وإداراك مراميها بمجرد قراءة سطحية، ومراجعة عابرة.
وبادئ ذي بدء يخيل إلى قارئ عنوان هذا البحث أن ما ينطوى عليه ليس سوى تكرار ما ذكر في كتب المصطلح، وإعادة ما يعرفه الجميع، لكن الأمر ليس كذلك، حيث إن المحور الرئيسي الذي تدور عليه مباحثه يمثل توجيها موضوعيا لما جنح له الإمام إبن الصلاح ـ رحمه الله تعالى ـ من عدم إمكانية تصحيح الأحاديث وتحسينها لدى المتأخرين.
وهذا التوجيه مدعم بالواقع العلمي والتاريخي في شكل جديد لم يتصوره كثير من الباحثين والدارسين في علوم الحديث ـ حسب تتبعي ـ إذ أنهم ظلوا يعتقدون صواب ما اتفقت عليه كتب المصطلح من عدم تسليم القول للإمام ابن الصلاح ـ رحمه الله تعالى ـ في مسألة منع التصحيح. ولعل في قولي ما يدفع القارئ إلى التساؤل: ما مدى صحة الاستدراك على السابقين بما لم يخطر على بالهم جيمعا؟
لا جرم أن الأمر يثير الاستغراب لدى الكثيرين عندما تصبح القضايا العلمية يحسمها الإجلال والتقليد، وأما إن كانت موازينها و مقايسها الأدلة والبراهين فلا مجال للتساؤل حول استدراك اللاحق على السابق، ولا للاستغراب فيه.
وقد طرحت هذا الموضوع العلمي في رسالة صغيرة وعالجته بأسلوب موضوعي مجرد كي يسهل على القارئ تركيزه عليه، وينال متعة القراءة وحظ الفهم، وفي الختام لا يسعني إلا الابتهال إلى الله تعالى أن يتقبل هذا الجهد المتواضع في خدمة علوم الحديث.
تمهيد:
يعتبر الإمام أبو عمرو بن الصلاح ـ رحمه الله ـ من أبرز فقهاء الشافعية في القرن السابع الهجري، ومن العلماء الراسخين في علوم الحديث، وقد أهلته إمامته في هذا الميدان لأن يصير رمزا يعيش في ذاكرة الأمة على مر العصور وكرا لدهور، واعترافا له على ما قدمه لهذه الأمة من خدمة علمية عظيمة للسنة النبوية الشريفة، بقيت إلى يومنا هذا نبعا عذبا ينهل منه المبتدئ من طلبة العلوم الشرعية، كما يرجع إليه الباحث المتمرس، فترتوي منه عقولهم المتعطشة إلى معرفة قواعد هذا العلم الشريف.
وعلى الرغم من أن مشاركة ابن الصلاح وإسهامه العلمي قد شمل جوانب كثيرة من علوم الشريعة ـ كالفقه والأصول والتفسير (1) كما تدل على ذلك مؤلفاته، إلا أن نجمه قد سطع بشكل خاص في علوم الحديث التي اقترن اسمه بها، بحيث صار ما إن تذكر مبادئ هذا الفن الشريف حتى يذكر معها كتاب هذا الإمام الجهبذ المعروف بمقدمة ابن الصلاح.
ويعد هذا الكتاب من أهم الكتب في علوم الحديث، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، لأنه جاء تتويجا لكل الجهود التي سبقته، كما جاء تجديدا لحيويتها ونضارتها، نظرا لأسلوبه المبتكر في تناول مباحث ومبادئ هذا العلم وفق مقتضيات عصره، حيث نجده جمع المصطلحات الحديثية التي كانت متداولة بين المحدثين النقاد، ووضع لها تعاريف محددة، معتمدا في ذلك على فن المنطق، فجاءت تلك التعاريف جامعة مانعة وموجزة واضحة.
وبهذا العمل يكون ابن الصلاح قد ذلل ما كان صعبا، ومهد الطريق أمام المبتدئين لاستيعاب علم مصطلح الحديث وفهمه، بعد أن كان عسير التناول، لا يدرك مراميه، ولا يستفيد من المصنفات فيه إلا المتمكنون، وأصبح كتابه بذلك مدخلا لمعرفة مبادئ هذا الفن، ومقدمة لكتب الأحاديث بما ضمنه من تعاريف مركزة للمصطلحات الحديثة التي يصادفها طالب الحديث في تلك الكتب بمقدمة ابن الصلاح. ونظرا لأهمية هذا الكتاب، فقد حظي بقبول الأئمة الذين جاؤوا من بعد، وإقبالهم عليه، فتسابقوا إلى نيل شرف خدمته، وسعوا إلى شرحه وإيضاح مكنونه، والتعليق على مسائله، حتى صار أصلا لكثير من المصنفات في علوم الحديث، وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر.
¥