تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مثلاً بالكوم، ولا ينظرون إلى وزنه، لكن في زماننا يباع البطيخ بالوزن، فإذا كان بالكوم فإنه لا يجري فيه الربا؛ لأنه مطعوم غير مكيل ولا موزون؛ لأنه بيع جزافاً، والجزاف يكون بالحصر والتخمين، وبناءً على ذلك نقول: ما كان من جنس الطعام وغير الطعام يوجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالعبرة بزمانه كيلاً ووزناً، وما كان مما لم يوجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالعبرة بعرف السائل، هذا وجه، أو العبرة بمكة إن كان موزوناً، وبالمدينة إن كان مكيلاً، وهذا وجه آخر. وقال بعض العلماء: أي شيء جرى فيه العرف ببيعه كيلاً أو وزناً تقيد بذلك العرف، فإن لم يكن له عرف رجعوا إلى مكة والمدينة بالكيل والوزن، وأما لو كان له عرف فالعبرة بعرف بلده، هذا هو الوجه الأول. وهناك وجه ثانٍ يقول: العبرة في المكيلات والمطعومات بكيل المدينة. فمثلاً: الطعام من جنس المكيلات، فأهل مكة يبيعونه بالوزن، وأهل المدينة يبيعونه بالكيل، فعند الحنفية الذين يرون الكيل، يقولون: يجري الربا؛ لأن العبرة في الكيل بكيل المدينة، والعبرة في الوزن بوزن مكة. فالوزن من غير المطعومات هوما يقاس على الذهب والفضة، فمثلاً: الحديد والنحاس والنيكل والرصاص والخشب، لو بيع وزناً في مكة وبيع ذرعاً في المدينة جرى فيه الربا؛ لأنه من جنس الموزونات، والعبرة بمكة في الوزن، ولا عبرة بالمدينة في الوزن. وعلى هذا يقولون: نعتبر في الوزن وزن مكة، ونعتبر في الكيل كيل المدينة، إذاً: عندنا ضابطان لا نص فيهما: العرف، والرجوع إلى مكيال مكة والمدينة. فإذا قلنا بالعرف الذي هو عرف البلد، فالأصل في الرجوع إليه القاعدة الشرعية المشهورة: (العادة محكمة)، فإن الله ردنا إلى العرف فقال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، والأدلة على اعتبار العرف من الكتاب والسنة كثيرة. ولذلك رد النبي صلى الله عليه وسلم المرأة إلى مهر مثلها لا وكس ولا شطط، إن كانت بكراً، فالبكر من مثلها سواءً كانت من أوساط الناس أو علية الناس أو الدون، وهذا كله من الرجوع إلى العرف وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] إلى غير ذلك من النصوص التي وردت في اعتبار العرف. لكن لو فرضنا أننا في المدينة، وقلنا بالرجوع إلى العرف، فمعناه أننا نرجع إلى السوق، فجئنا إلى الكمثرى، وهي مطعوم، لكن هل تباع كيلاً في سوقنا؟ أو وزناً؟ أو عدداً؟ لو أن عرفنا جرى على بيعها عدداً -بالحبة- لم يجر فيها الربا؛ لأنها مطعومة غير مكيلة ولا موزونة، وشرط جريان الربا أن يكون مطعوماً مكيلاً أو موزوناً. لكن لو كان في المدينة سوقان: سوق يبيعها بالعدد، وسوق يبيعها بالوزن، فإذا جئنا ننظر إلى الذين يبيعونها بالوزن حكمنا بالربا، وإذا جئنا ننظر إلى الذين يبيعونها بالعدد لم نحكم بالربا، فهل نقول: نغلب المحرمين؛ لأنه إذا اجتمع حاظر ومبيح قدم الحاظر، أو نقول: نغلب المجوزين؛ لأن الأصل الحل، والشريعة شريعة رحمة، وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، أو أن الأمر في تفصيل؟ قالوا: فيه تفصيل: فإن كان السوق الذي يبيع بالوزن ويجري على وجهه الربا أكثر وأشهر وأغلب في المدينة، وأكثر ارتياداً من الناس، فالعبرة به والآخر لاغٍ، وإن كان الآخر هو الأكثر، فالعبرة به ولا ربا مثلما ذكرت. لكن إذا كان السوقان متماثلين: هذا السوق سعته مثل ذلك السوق، والمدينة منقسمة إلى قسمين: النصف منها يقضي في هذا السوق، والنصف الآخر يقضي في ذلك السوق، فما الحكم؟ قالوا: إذا اختلفا فإنه يجري الربا في السوق الذي يباع بالوزن، ولا يجري في السوق الذي لا يباع بالوزن، وهذا ليس بغريب؛ لأنك ربما تأتي الآن إلى حدود الحرم، فلو أن رجلاً في التنعيم دخل خطوة، فصلاته فيها بمائة ألف صلاة، ولو خرج لم تكن له هذه الفضيلة، ولو دخل وأراد فيه الإلحاد بظلم أذاقه الله من عذابٍ أليم، ولو تقهقر وخرج خطوة لم يكن له هذا العذاب. إذاً: مسألة التحديد لأن هناك وصفاً شرعياً مستنبطاً من النص، إذا وجد حكمنا به، وإذا فقد لم نحكم به، إذاً: هذه هي مسألة العرف. ولذلك قال المصنف رحمه الله: (ومرد الكيل لعرف المدينة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العبرة بالكيل بكيل المدينة، والعبرة بالوزن بوزن مكة). وهذا الحديث صححه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير