تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

البيع جائز ومشروع، وأن الله عز وجل أذن بالبيع، وأقوى الأدلة على ذلك قوله سبحانه وتعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275] فإن كلمة: (أحلَّ) كما يقول علماء الأصول: تعتبر من صيغ الإباحة، فإذا قال الله (أحلَّ) بصيغة البناء للمعلوم أو بصيغة البناء للمجهول كقوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187] أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة:96] فهذه الصيغ تدل على الجواز والإباحة. وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275] نسب سبحانه التحليل له؛ لأنه هو الذي يحلل وهو الذي يحرم، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41]. وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275] هذه الآية يقول العلماء: إنها أصل في جواز البيع، فما معنى قولهم أصل؟ يقول بعض العلماء إن هذه الآية عامة، بمعنى أن قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275] الأصل أن كل بيع جائز، حتى يدل الدليل على حرمته وعدم جوازه، فأنت إذا جئت إلى أي بيع فإن من حقك أن تقول: لي الحق أن أتعامل بهذا البيع حتى أسمع دليلاً من الكتاب أو دليلاً من السنة يقول: إن هذا البيع حرام. هذا معنى قولهم: إنها أصل في البيوع، أو أصل في حلِّ البيع وجوازه. ثانياً: وبعض العلماء يقول: إن الآية مجملة. ومعنى قولهم: (مجملة): أنه يتوقف في الاستدلال بها حتى يرد البيان، وهذا الإجمال فيه خلاف بين العلماء، وهي مسألة أصولية، والصحيح أنها آية عامة، وأنها مبينة وليست بمجملة، والذين يقولون إنها مجملة -من باب الفائدة لطلاب العلم- اختلفوا في سبب الإجمال: فبعضهم يقول: أجملت لقوله تعالى: وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] فقال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] فلما قال: وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] الربا: أصله الزيادة، فأحل شيئاً وحرم شيئاً، فكانت الآية دالة على جواز البيع، لكن لما قال: وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] لم ندر أي الربا المحرم، وأي الزيادات المحرمة، فأصبحت الآية فيها شيء من الإجمال، وتحتاج إلى تفصيل وبيان من السنة. هذا الوجه الأول. الوجه الثاني: إن الإجمال لم يأت من الآية، وإنما جاء من شيء خارج عن الآية، وهو دليل السنة، والسبب في ذلك: أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (أنه نهى عن بيع الغرر)، فلما ثبت عنه ذلك احتجنا أن نعرف ما هو الغرر؛ لأن الغرر أصله المخاطرة، بمعنى: أنه لا يجوز لك أن تتعامل مع أخيك المسلم ببيع فيه تغرير له، كأن تقول له: (اسحب هذا الرقم وادفع خمسين ريالاً)، وقد يخرج لك ما قيمته ألف ريال، وقد يخرج ما قيمته عشرة ريالات، فأنت تغرر به، فلا يجوز هذا النوع من البيع، والغرر بابه واسع، ومن هنا أصبح قوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275] مستثنىً منه نهيه عن الغرر، فاحتجنا أن نعرف ما هو الغرر المحرم، وما هو الغرر المعفو عنه؟ فمثلاً: حين تبيع البيت ينبغي أن يكون المبيع معلوماً، ولكنك لا تدري ما هو أساس البيت وهل قواعده سليمة، أم بها عطل؟ فأنت تبيع شيئاً مجهولاً، نقول: هذا غرر معفو عنه؛ لأن الشرع لو جاء يدقق في هذا لأحرج الناس، والشرع لا حرج فيه، فيغتفر مثل هذا الغرر. إذاً: عندنا غرر معفو عنه، وعندنا غرر محرم، فتصبح الآية محل إجمال من هذا الوجه. الخلاصة: أن الآية الكريمة: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275] أصل في حل البيع وجوازه. الدليل الثاني: قوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ [النساء:29] فإن هذه الآية الكريمة دلت على جواز البيع؛ لأن الله حرم أكل المال وأخذه، واستثنى وقال: أي: إلا أن يكون الأكل للمال بالتجارة فلا حرج، فدل على جواز التجارة، ومن هنا قال بعض العلماء: (أفضل المكاسب مكاسب التجارة)؛ والسبب في ذلك: أن التجارة فيها منفعة لكثير من الناس؛ فالتجار يجلبون الأرزاق للناس، ولولا الله ثم التجار لهلك الناس، فيجلبون أرزاق الناس وأقواتهم، ويجلبون ما فيه صلاح لأبدانهم، وقد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير