تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكنها مبادلة على سبيل الرفق، وليس على وجه البيع؛ لأنه أخذه لا على سبيل المبادلة التي يراد بها البيع، وإنما المراد أن يرتفق بالمال لحاجته وما نزل به.

الإيجاب والقبول في البيع قال رحمه الله: [وينعقد بإيجاب وقبول بعده وقبله متراخياً عنه في مجلسه]. قوله: (وينعقد بإيجاب). فبعد أن عرفنا حقيقة البيع، نحتاج الآن أن نعرف كيف يتم عقد البيع في الشرع، أي: ما هي الضوابط التي يحكم عن طريقها بوجود عقد البيع؟ وهذا يستلزم -كما سبقت الإشارة إليه في المجلس الماضي- وجود الصيغة، فإن عقود المعاملات تقوم على الصيغ، وهذه الصيغ هي الإيجاب والقبول، فإن كان الإيجاب وارداً على بيع والقبول وارداً عليه يقال: (عقد بيع)، وإن كان على إجارة فإجارة، وإن كان على نكاح فنكاح .. إلخ، والإيجاب هو أن يقول -مثلاً-: بعتك، أجرتك، زوجتك، والقبول: هو أن يقول الآخر: قبلت النكاح، قبلت البيع، قبلت الإجارة .. إلخ، والإيجاب غالباً ما يكون من الباذل وهو البائع، والقبول يكون من المشتري، فقول: (بعتك سيارتي بعشرة) هذا إيجاب من البائع، وقول: (قبلتها، اشتريتها)، هذا قبول من المشتري، أو قول: (رضيت، بارك الله لك) ونحو ذلك من الصيغ التي يعبر بها عن قبول البيع، والإيجاب والقبول يكون على الصيغة، وهي التي عبّر المصنف عنها بقوله: (وينعقد بإيجاب وقبول)، فالعقد عند العلماء يشتمل على الإيجاب والقبول، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] فكأن الله سبحانه وتعالى ينبه عباده أن هذا الكلام الذي جرى في مجلس العقد من قوله: (بعتك، زوجتك، أجرتك)، هذه كلها كلمات رضيها المسلمون، وتواطئوا واتفقوا عليها، فينبغي أن تكون عند المسلم ذمة وأن يكون عنده عهد ويفي بهذه الصيغ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يا أهل الإيمان! يا من آمنتم بي وصدقتم برسلي وكتبي! (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، فهو هنا عظم الصيغة وأعطى لها منزلة في الإسلام، فهذا الكلام ليس هدراً، يقول شخص لآخر: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، قال: قبلت، فلما افترقا عن المجلس قال: ما بعتك. فهذا لا ينفع أبداً، فالمسلم له ذمة وله عهد ومنه الوفاء، ولذلك يلزم بالصيغة التي جرت بينه وبين الطرف الآخر، وإذا قضى القاضي أو أفتى المفتي فأول ما يلتفت إليه في البيع الصيغة، وإذا أراد الإنسان أن يفصل بين متخاصمين في معاملة فليبدأ أول ما يبدأ بالعقد، وليبدأ أول ما يبدأ بالاتفاق الذي جرى بينهما، ويأخذ الاتفاق من أول حرف فيه إلى آخره، ثم بعد ذلك يلزم كلا الطرفين بما التزم به، لا يظِلم ولا يُظلم، ولا يحمل كلامه فوق ما يحتمل، قال له -مثلاً-: بعتك سيارتي، فيقول: أنا قصدت السيارة وما عليها، فهذا لا ينفع؛ لأنه قال: بعتك سيارتي، ولم يقل: سيارتي وما عليها، فهذه الصيغ هذه والألفاظ محترمة، ومن هنا أمر بكتابة البيع إذا كان إلى أجل حفظاً وضماناً لمثل هذا؛ لأنه إذا كانت تجارة حاضرة فأمرها أهون والخصومة فيها أضعف؛ لكنها إذا كانت إلى أجل فيدخلها شيء من النسيان، وشيء من الزيادة والنقص، فالشريعة تريد معرفة ما الذي جرى بينك وبين الطرف الآخر، وما الذي قلته وما الذي قاله، وما الذي تم عليه العقد، فإن قال البائع: بعتك داري، ينصب البيع على داره، وإن قال: بعتك أرضي، ينصب على الأرض .. إلخ. قوله: (ينعقد بإيجاب وقبول) فإذا قال البائع: بعتك سيارتي بعشرة آلاف فهذا إيجاب، وإذا قال المشتري: قبلت حينئذٍ يتم البيع بهذه الصيغة، وهي صيغة الإيجاب والقبول. وعقد البيع إما أن يتم بالقول وإما أن يتم بالفعل، فإذا تم بالأقوال فهذه الصيغة -وهي: الإيجاب والقبول- تنقسم إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول: أن تكون بصيغة الماضي. النوع الثاني: أن تكون بصيغة الأمر. النوع الثالث: أن تكون بصيغة المضارع. أولاً: صيغة الماضي: قال له: بعتك سيارتي هذه بعشرة آلاف، يقول المشتري: اشتريتها، فقول (بعت)، و (اشتريت) كل منهما للماضي، والصيغة بالإجماع على أنها إذا وقعت بلفظ الماضي أنها أقوى أنواع الصيغ، (كبعت .. اشتريت .. رضيت) فهذه كلها ألفاظ معتبرة. ثانياً: صيغة الأمر، كقولك: بعني سيارتك بعشرة آلاف، فيقول البائع: خذها بعشرة آلاف، فـ (بعني) صيغة أمر. ثالثاً: صيغة المضارع، كقولك: أتبيعني سيارتك بعشرة آلاف؟ أو أبيع سيارتي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير