تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمار عندما أكره: (وإن عادوا فعد)، فأسقط بالإكراه الحكم بالمؤاخذة. وعلى هذا: فلو قال المكره: بعت، وقال المكره: اشتريت، فإن هذا اللفظ من البائع والمشتري وجوده وعدمه على حد سواء؛ لكن يبقى النظر: متى نحكم بكون الإنسان مكرهاً؟ هذه المسألة تكلم عنها العلماء رحمهم الله، ولكن فيها تفصيل وكلام طويل، وسيكون الحديث عنها إن شاء الله في طلاق المكره، وسنتكلم عن الشروط المعتبرة للحكم بكون الإنسان مكرهاً، فمثلاً: لو قال رجل لرجل: بع بستانك هذا بمليون وإلا ضربتك على يدك، فإن الضرب على اليد أهون من بيع البستان بهذا المبلغ، فلا نقول: إنه مكره بهذا القول، وإنما يحكم بكونه مكرهاً، إذا هُدِّد بأمر هو أعظم من الأمر الذي طلب منه. وهناك موازين وأمور معينة لا بد من وجودها للحكم بالإكراه. فالشاهد: أن من باع مكرهاً على بيعه لم يصح بيعه، ومن اشترى مكرها على الشراء لم يصح شراؤه، ولكن يبقى النظر إذا أكره بحق، ومثال ذلك: المفلس، فلو أن رجلاً استدان من الناس حتى أفلس، ووجدت أمتعة الناس عنده -ومعلوم أنه لا يحكم بكون الإنسان مفلساً إلا إذا كانت ديونه أكثر من تجارته، وغلب على الظن عدم نمائها، وعدم استطاعته أو قدرته على رد الحقوق إلى أهلها -فإذا كان الإنسان مفلساً، وعليه دين مثلاً مليون، وهناك أرض أخذها من شخص بمائة ألف، وهناك أرض ثانية بمائتين، وهناك سيارة بمائة، فإن أصحاب الأرض وصاحب السيارة إذا وجدوا عين السيارة وعين الأرض فمن حقهم أن يأخذوها، فيقول صاحب الأرض: أنا آخذ أرضي وأسقط حقي في الدين، ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن: (من وجد متاعه عند من أفلس فهو أحق به)، قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبناءً على هذا: لو أن المفلس -مثلاً- كان عنده من السيارات والعقارات ما يساوي المائة ألف، والديون التي عليه ثلاثمائة ألف، فقرر القاضي بيع ما عنده من الأملاك وتسديد الديون، فإنه ستخرج منه هذه الأملاك دون طواعية ودون رضاً، وسيبيع بدون اختياره وبدون رضاه، ولكنه إكراه بحق، ولذلك يصح البيع وينفذ. فاحتاط المصنف رحمه الله وقال: (بلا حق)، فمن أكره بالحق فإن إكراهه شرعي، وهكذا لو احتيج إلى توسعة مسجد، أو توسعة طريق تضرر الناس بضيقه، وقيل لرجل: بع دارك لتوسعة الأرض أو توسعة المسجد، فأبى، فمن حق ولي الأمر أن يأخذه منه بالكره ويعوضه عليه بقدر ما للعين من قيمة، والأصل في ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هدم دار العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وذلك حينما ضاق المطاف واحتاج أن يوسعه، فهدم دوراً، ومنها دار العباس رضي الله عنه وأرضاه، وكانت قريبة تطل على المسجد، فأكرهه على بيعها، وأكرهه على المناقلة فيها، فدل على مشروعية هذا النوع من البيع لوجود الحق، والقاعدة الشرعية تقول: (يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام)، ومن فروعها هذه المسألة، وكذلك الحجر على المريض بمرض معْدٍ ونحوها، كلها أضرار خاصة قصد منها دفع الضرر العام. فالبيع في مثل هذا بيع معتبر عند العلماء رحمهم الله.

أهلية التصرف قال رحمه الله: [وأن يكون العاقد جائز التصرف]. وهذا هو الشرط الثاني: أن يكون العاقد جائز التصرف، والجائز التصرف: هو الذي ينفذ تصرفه، فهنا بيع وشراء، فيشترط لصحة البيع وصحة الشراء أن يكون تصرف البائع تصرفاً صحيحاً ونافذاً، أي: عنده أهلية التصرف -كما يقول الفقهاء- وهذه الأهلية تستلزم ألاَّ يكون صبياً، ولا محجوراً عليه؛ والسبب في ذلك: أن الصبي والمجنون والسفيه يحجر عليهم، فإذا تصرفوا في أموالهم فإن تصرفهم غير صحيح. إذاً: يسمي العلماء هذا الشرط بشرط نفاذ التصرف، أو يصفونه: بأهلية التصرف، بمعنى: أن يكون البائع والمشتري عنده أهلية تبيح له أن يأخذ وأن يعطي، فإذا فقد هذه الأهلية لوجود مانع يمنع من نفوذ تصرفه، فإننا لا نصحح البيع، فلو أن صبياً توفي عنه أبوه وترك له عمارة إرثاً، فجاء رجل إلى الصبي وقال له: بعني عمارتك التي ورثتها عن أبيك بمائة ألف، فقال: قبلت، فإنه مالك للعمارة وراض ببيعها، ولكنه غير أهل للتصرف في ماله؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5]، وأمر سبحانه وتعالى بالحجر على الأيتام؛ والسبب في هذا: أن الصبي والسفيه والمجنون كل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير