تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حلال- وجاوز الحد المعتبر، فحينئذٍ يحجر عليه ويمنع، وقد روي عن علي رضي الله عنه -وهذا يروى عنه أثراً- أنه لما أكثر الحسن الزواج قام على المنبر وقال: (إنه كثير الطلاق أو مطلاق للنساء)، وكأنه يريد أن يمنع الناس من تزوجيه، فقالوا: لَنُزَوِّجَنَّه وإن كان مطلاقاً. وذلك لشرفه رضي الله عنه وأرضاه، فهو ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنهم تعاظموا أنه قام في الكوفة وقال: (إن ابني هذا كثير الطلاق للنساء، فلا تزوجوه)، وكأنه يريد أن يؤدب الحسن، وقد قيل: إنه أحصن أكثر من مائة امرأة. الشاهد: أنه إذا أكثر الإنسان في المباح ولو كان في الزواج، وحفظ عنه أنه يفعل ذلك على سبيل الخرق، ولم يكن هناك موجب لفعله، فإنه يحكم بسفهه؛ لأنه أسرف في اللذة المباحة مع إمكانه أن يجتزئ بما هو أقل من ذلك.

أن تكون العين مباحة المنفعة قال رحمه الله: [وأن تكون العين مباحة النفع من غير حاجة]. هذا هو الشرط الثالث، وهو: أن تكون العين مباحة النفع لغير حاجة، وبيان ذلك: أن البيع وقع على محل، وهذا المحل يشمل الثمن، والمثمن، أي: صور البيع الثلاث، سواءً وقع بيع صرفٍ أو بيع مقايضةٍ أو بيعاً مطلقاً، فينبغي أن يكون مباح المنفعة، وهذا أكثر ما يقع في المثمونات، فالذهب والفضة مباحا النفع، فلا إشكال فيهما بالنسبة للثمن، فيبقى الإشكال دائماً في المثمونات، فإذا باع شيئاً محرم المنفعة فإنه حينئذٍ لا يُحكم بصحة البيع. والمراد من هذا الشرط: أن الله عز وجل حينما أباح البيع أباحه لأمرين: الأمر الأول: جلب المصالح للعباد. الأمر الثاني: درء المفاسد عنهم. فأما جلب المصالح فإن الإنسان إذا احتاج للشيء وأراد أن يشتريه فإنه يجد مصلحة بحصوله على ذلك الشيء، فأنت إذا كنت محتاجاً إلى بيتٍ تسكنه وترتفق به، فإنك إذا اشتريته حصلت هذه المصلحة، كذلك إذا كنت محتاجاً إلى سيارة تركبها ونحو ذلك، فإنك تجلب المصلحة بهذا البيع، كذلك تدرأ عن نفسك المفسدة؛ لأنك إن بقيت بدون بيتٍ فستكون في العراء، وإذا بقيت بدون ثوبٍ أو بدون طعامٍ فأنت على ضرر، فإذاً: البيع فيه جلب مصلحة ودرء مفسدة، فهذه المصلحة التي يطلبها الإنسان أو المفسدة التي يدفعها لابد أن يشهد الشرع باعتبارها، والإذن بجلبها إن كانت مصلحة، والإذن بدرئها إن كانت مفسدة، فإذا اشتمل البيع على ما يضاد الشرع؛ فإنه حينئذٍ لا يمكن أن يحكم بكونه بيعاً شرعياً، فيقول الشرع حينئذٍ: لا يجوز هذا البيع، وعندي فيه أمارة أو علامة تقتضي الحكم بعدم جوازه، وذلك أن المنفعة التي قُصدت من هذا البيع منفعة محرمة. ومن أمثلة هذا: أن يبيع الخمر، فإن الخمر منفعتها محرمة، وعلى الأصل أن الله عز وجل سلب المنافع من الخمر بعد أن حرمها، لكن لو قال قائل: إنه -والعياذ بالله- يشربها لما يكون فيها مما يظنه من منافع، أو يشتري أو يبيع المخدرات لاستعمالاتٍ محرمة، فإننا نقول: الخمر والمخدرات منافعهما محرمة، وما يقصد منها محرم. إذاً: لا بد لصحة البيع أن تكون العين مباحة المنفعة، فإذا كانت منفعتها مضرّة فلا يجوز بيعها، ومن هنا قالوا باشتراط هذا الشرط؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يأذن لعباده بالضرر، ولا يُبيح سبحانه وتعالى لهم ما فيه ضرر عليهم، لقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج [الحج:78]، فهذا حكم الشرع، ولو أن الشرع أجاز هذا النوع من البيع فإنه حرجٌ ومشقة. وفي هذا الشرط عدة فوائد وهي: الفائدة الأولى: لا يصحُّ بيع شيءٍ لا منفعة فيه، ومن أمثلة ذلك مما يذكره العلماء: لو قال له: أبيعك هذه التفاحة لشمِّها، أي: المنفعة الشم فقط، وبعض العلماء يدخل هذا في باب الإجارة، وهو صحيح؛ لأنه من باب المنافع أقرب منه للأعيان، لكن منهم من يذكره مثالاً على البيع، فلو قال له: أبيعك هذه التفاحة للنظر إليها، أو لشمِّها، فإن هذه ليست بمنفعة مقصودة، وليست بتلك المنفعة التي يشتغل بها، ومن هنا قال العلماء: لا يصحُّ بيع الحشرات؛ لأنهم في القديم كانوا لا يجدون فيها منفعة، فأبطلوا بيعها. الفائدة الثانية -وهي فائدة عكسية-: أنه لا يجوز بيع ما فيه ضرر؛ كالسمومات، فإنه لا يجوز بيعها ولا شراؤها؛ لأن السمَّ لا منفعة فيه بل فيه ضرر؛ لكن لو احتيح إلى السمِّ للعلاج أو لمنفعة، وكانت منفعة مقصودة، فإننا نقول بجواز البيع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير