تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الإناء سبعاً منه فهذا أمرٌ تعبدي، ولو كان للنجاسة لكان ثلاثاً، وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب الطهارة، وبيّنا أن الصحيح أن الكلب نجس العين. فالحاصل أنه على الرواية التي تقول إن الكلب يجوز أكله، يجوز بيعه لمن يأكله؛ لأنه إذا اشتراه من أجل الأكل فإنها منفعة مقصودة، وليس مراده أن يبقيه، وهذا عند أصحاب الإمام مالك رحمه الله، وهي من مفردات مذهب المالكية، ولذلك يقول الزمخشري -عامله الله بما يستحق-: وإن مالكي قلت قالوا بأنني أبيح لهم لحم الكلاب وهمْ همُ إذاً: عندنا خمسة أقوال: قولٌ بالتحريم، وقولٌ بالجواز، وقولٌ باستثناء الكلب العقور من الجواز، وقولٌ بالتحريم باستثناء كلب الصيد والحرث والماشية من التحريم، وقول بجواز البيع لمن يريد أن يأكله. فأما الذين قالوا بالتحريم المطلق فاحتجوا بالأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولها: حديث عقبة بن عامر البدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثمن الكلب سحت)، وهذا حديث متفق عليه، ووجه الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ثمن الكلب سحتاً، والسحت حرام، فلا يجوز بيع الكلاب، وأثمانها محرمة. الدليل الثاني: حديث رافع بن خديج رضي الله عنه وأرضاه، وهو في الصحيح أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثمن الكلب خبيث)، فهذا الحديث الصحيح نصَّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ثمن الكلب خبيث، ومعنى ذلك أن ثمن الكلب محرم؛ لأن الله حرم على هذه الأمة الخبائث، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم الثمن بكونه خبيثاً، إذاً فالبيع محرم، وهذا هو مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من وصفه بالخبث. الدليل الثالث: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صحيح مسلم: أنه لما سُئل عن بيع الكلب والسِّنَور قال: (زجر النبي صلى الله عليه وسلم عنه) والسنور: هو القط، ويطلق على القط البرَّي والقط الأهلي المستأنس. فأمّا القط البرّي المتوحش فهذا يفسد الزرع، ويعدو على الدجاج وعلى الطيور، ويؤذي بني آدم، وإذا خلا بالإنسان فإنه يؤذيه، وقد يتغذى بالخبائث، ويؤذي الطريق كثيراً، فهذا النوع هو الذي قصده جابر عندما قيل له: (والسنور). أمّا القط الأهلي فقد نقل الإجماع على جواز بيعه، وجماهير العلماء على جواز بيعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات). الشاهد: أنه قال: (زجر النبي صلى الله عليه وسلم عنه)، أي: الكلب، وهي صيغة من صيغ التحريم عند الأصوليين، والزجر عن الشيء الطرد والإبعاد عنه، فمعنى ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن هذا الشيء، ولا يزجر إلاّ عن حرام. الدليل الرابع: حديث عبد الله بن عباس في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال لما نهى عن ثمن الكلب: (فإن جاءك يريد ماله فاملأ كفه تراباً) أي: إذا جاء يريد أخذ قيمة الكلب فاملأ كفه تراباً، وهذا يدل على حرمة ثمن الكلب، وأنه لا قيمة له، وعلى هذا قال الجمهور: لا يجوز بيع الكلاب مطلقاً. وقالوا: هذه الأحاديث حينما تأملناها ونظرنا فيها وجدناها لم تفرق بين كلبٍ وآخر، ولم تفرق بين حالةٍ وأخرى، فهي عامة في الكلاب ومطلقة في الأحوال. عامة في الكلاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين الكلب الصغير (الجرو) ولا الكبير، ولم يفرق أيضاً بين كلب الماشية والحرث والصيد وغيرها، وإنما عمم: (زجر النبي صلى الله عليه وسلم)، (نهى النبي صلى الله عليه وسلم)، (ثمن الكلب خبيث)، (ثمن الكلب سحت)، وهذا كله عام. وكذلك في الأحوال: لأنك إذا قلت: أريده لحالة معينة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص في حالة دون أخرى. أدلة القول الثاني: الذين قالوا بجواز البيع مطلقاً وهم الحنفية فقد استدلوا: بأن الكلب مال، والقاعدة عندهم: أنه يجوز بيع المال، والأصل جواز بيع الأموال. والمال عندهم كل شيء فيه منفعة، فيقولون: الكلب كسائر الأموال، ففيه منفعة الصيد، ومنفعة حراسة الحرث والماشية، فلما كانت هذه المنفعة موجودة فيه وهي مقصودة شرعاً، فإنه يجوز أن تبيعه وتأخذ القيمة لقاء هذا الشيء الذي هو فيه من المنافع، وهذا دليل عقلي. القول الثالث: الذين يوافقون القول الثاني لكنهم يستثنون الكلب العقور؛ قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله كما في الصحيحين: (خمسٌ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير