تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تنجس الزيت فهل يمكن تطهيره، أو لا يمكن تطهيره؟ قال بعض العلماء: إذا تنجس الزيت فلا يمكن تطهيره، وعند هؤلاء تنتقل المسألة إلى المسألة الأولى وهي بيع الزيت النجس، فعندهم أن النجس والمتنجس حكمه واحد؛ لأنهم يرون أن الزيت إذا تنجس فلا يمكن تطهيره، وهذا هو القول الأول. القول الثاني: أن الزيت إذا تنجس فإنه يمكن تطهيره، ولتطهيره طريقتان: الطريقة الأولى: يسموها: طريقة الطبخ. الطريقة الثانية: يسمونها: طريقة الغسل. فأمّا طريقة الطبخ فهي أن توقد النار تحت الزيت فيغلي، وإذا غلى فإنه تتبخر النجاسة ويبقى الزيت، فإذا وقع فيه البول وغلي غلياناً شديداً فإنه يتبخر البول لخاصية في الزيت، ولو ترسب شيء قليل لكنه لا يؤثر، خاصة إذا كان الزيت كثيراً، فيقولون: إنه يحكم بطهارته في هذه الحالة. الحالة الثانية: أن يغسل الزيت، والسؤال: كيف يغسل الزيت؟ أو كيف يمكن غسل الزيت؟ هل يعصر، أم يوضع في خلاطة؟ وهذا يحتاج إلى نظر، فقد قال بعض العلماء: غسل الزيت المراد به طهارة المكاثرة، فمثلاً: إذا وقعت قطرة من البول في الزيت، فتصب عليه ماءً طهوراً أضعاف أضعاف القطرة من البول، بحيث لو خالط ذلك الماء البول فإنه يذهب عنه وصفه بالنجاسة، وتطهر النجاسة بهذا الماء؛ لأنها ستختلط مع الماء، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم صبّ على بول الأعرابي ذنوباً من ماء، وقد كان البول قليلاً والماء كثيراً، فلما ورد الكثير من الماء على القليل من النجاسة طهرت النجاسة، فحينئذٍ قالوا: إذا كان في الوعاء قطرة من البول، فيأخذ (فنجاناً) مثلاً من الماء الطهور ويصبه، فيختلط مع النجاسة، فتصبح النجاسة منعدمة التأثير، ثم بعد ذلك تسحب بطريقة عند المختصين، فيسحبون الماء بالنجاسة، وحينئذٍ يبقى الزيت طاهراً على أصله. لكن لماذا ذكرنا هذه المسألة هنا مع أنها من مسائل الطهارة؟ ذكرنا هذه المسألة؛ لأن الصحيح أن الزيت إذا وقعت فيه النجاسة، وكانت نجاسته ليست عينية مثل زيت الميتات؛ فإنه يمكننا أن نطهره، فحينئذٍ لو باع رجلٌ زيتاً متنجساً فإنه يمكنه أن يزيل هذه النجاسة، فيصبح في حكم من باع ثوباً متنجساً، والمتنجس ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يمكن تطهيره. القسم الثاني: ألاَّ يمكن تطهيره. والذي يمكن تطهيره مثل الثوب، فلو جاء شخص وفي ثوبه دم نجس أو قطرة من البول، وقال: سأبيع هذا الثوب بعشرة ولكن فيه نجاسة، فنقول: بالإجماع أن البيع صحيح؛ لأن هذه النجاسة يمكن إزالتها، فليست مؤثرة في بيع الثوب، وليس هذا من باب بيع النجاسات؛ لأن العين طاهرة، ومن هنا فإذا قلنا: إن الزيت لا يتطهر، فلا يدخل في هذا؛ لأنه من باب بيع الأعيان النجسة؛ لكن إذا كان الزيت يمكن تطهيره بالطبخ وبالغسل، فحينئذٍ من باع زيتاً متنجساً، فإنه كمن باع ثوباً متنجساً، فكما أنه يأخذ الثوب ويغسله، كذلك يأخذ الزيت ويغسله، ومن هنا يقوى القول بأنه يجوز بيع الزيت المتنجس. والذي لا يمكن تطهيره ببقاء عينه مثل السكر، فلو أن السكر وقع عليه بول وتنجس، فإنه لا يمكن تطهيره؛ لأنه إذا صُبَّ عليه الماء ذاب، فلا يمكن تطهيره ببقاء عين السكر؛ لكن لو أنه أخذ ماءً كثيراً وصبه على السكر حتى تحلل، بحيث صار الماء أضعاف النجاسة الموجودة في السكر؛ فإنه يكون طاهراً، لكن أن تبقى عين السكر فلا يمكن. إذاً: هناك شيء يمكن تطهيره مع بقاء عينه، وهناك شيء لا يمكن تطهيره إلاّ بذهاب عينه، فبالنسبة للزيت يمكن تطهيره مع بقاء عينه مثل الثوب، وعليه فإنه يجوز بيع الزيت المتنجس؛ لكن بشرط: أن يُبين أنه متنجس، ولذلك نقل ابن رشد عن القائلين بجواز بيع الزيت المتنجس في البداية فقال: وقال أبو حنيفة: يجوز بيعه -أي: الزيت المتنجس- إذا بيّن، أي: قال للمشتري: إنه نجس؛ والسبب في هذا: أن الزيت يؤكل ويدّهن به، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (كلوا الزيت وادّهنوا به، فإنه من شجرة مباركة)، فلو أخذه وهو متنجس، فإنه مظنة أن يدهن به فيتنجس، ومظنة أن يأكله وهو متنجس، ولا يجوز أكل المتنجس، ومن هنا قال العلماء: شرط جواز بيعه إذا بيّن البائع للمشتري أنه متنجس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير