تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذكروا جوازها، أعني: صحة البيع دون الشراء. أما الذين قالوا: إن بيع الفضولي وشراءه صحيح إذا أجازه المالك الحقيقي، فقد استدلوا بما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أعطى عروة بن أبي الجعد البارقي ديناراً يوماً من الأيام وقال له: (اشتر لنا من هذا الجلب شاة، فذهب عروة فاشترى شاتين بدينار، ثم باع إحدى الشاتين بدينار، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار وشاة، فقال: يا رسول الله! هذه شاتكم وهذا ديناركم، فدعا له عليه الصلاة والسلام بالبركة، وقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه)، وهذا من باب المكافأة على المعروف؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكافئ من أحسن إليه، فعندما قال له: (هذه شاتكم وهذا ديناركم)، عرف ماذا قصد، فرضي البيع وقال: (اللهم بارك له في صفقة يمينه)، فكان هذا الصحابي لو اشترى تراباً لربح فيه، لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالبركة في صفقة يمينه. وموضع الشاهد: أن عروة رضي الله عنه باع بدون إذن واشترى بدون إذن، فاشترى الشاة الثانية بنصف الدينار، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشتري شاة واحدة، فحينئذٍ وقع شراء فضولي، وباع الشاة الثانية التي هي بنصف دينار بدينار، فوقع بيع فضولي، فصار بيعاً وشراءً من فضولي، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم كلتا الصورتين، فدّل على صحة بيع الفضولي وشرائه إذا أقره المالك الحقيقي. وأيضاً جاء في حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه عندما أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتري أضحية، فاشترى للنبي صلى الله عليه وسلم أضحية وباعها بضعف قيمتها، ثم اشترى بنصف القيمة أضحية أخرى مكان التي باعها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأضحية مع المال، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا حديث رواه الترمذي، وحسنه غير واحدٍ من العلماء. والذين قالوا بعدم صحة بيع الفضولي مطلقاً يستدلون أولاً: بالآية الكريمة: لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء:29]، قالوا: الأصل عدم جواز بيع وشراء الإنسان لما لا يملك، وبيع الفضولي وشراؤه لما لا يملكه. ثانياً: حديث حكيم بن حزام أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الرجل يسألني المتاع أو الشيء ليس عندي، فأبتاعه له ثم أبيعه، فقال صلى الله عليه وسلم له: لا تبع ما ليس عندك)، فنهاه أن يبيع ما ليس عنده، قالوا: والفضولي يبيع ما ليس له وما ليس عنده، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان لما لا يملك بهذا الحديث. وأما الذين فرقوا وقالوا: يصحّ أن يبيع لك الفضولي إذا أقررته وأجزته، ولا يصحّ شراؤه مطلقاً، فاستدلوا بنفس حديث عروة البارقي. وباختصار: حديث عروة البارقي يقول الإمام أبو حنيفة: لقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اشتر لنا)، فأذن له بالشراء، وكونه يشتري شاة أو شاتين فعنده إذن مسبق، لكن أين وقع الفضول؟ وقع في بيعه للشاة بعد شرائه، فصار الحديث حجة على جواز بيع الفضولي دون شراء الفضولي، إذاً يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اشتر لنا من هذه الجلب شاة)، فعند عروة إذن مسبق بالشراء كقاعدة عامة، ولكن ليس عنده إذن مطلق بالبيع، بل حتى إذن خاص بالبيع، فتصرفه الفضولي الذي لا أذن فيه وقع في البيع ولم يقع في الشراء؛ لأن الشراء له إذن مسبق، وقد صح بيعه فضولاً. وعلى هذا قالوا: يصحّ بيع الفضولي دون شرائه، ثم قالوا: من جهة العقد حينما يبيع لك الشيء أفضل مما يشتري لك؛ لأنه إذا باع لك الشيء جاءك بالقيمة، والقيمة تستطيع أن تشتري بها نفس الشيء، وتستطيع أن تعوض بما هو أفضل منه، لكن حينما يشتري لك فإنه يأتي لك -مثلاً- بالسيارة وأنت لا تريدها، أو يأتي لك بأرض لا تريدها؛ إذاً حينما يبيع لك ويعطيك النقد فإن النقد يصلح لشراء الكل. والذي يترجح في نظري -والعلم عند الله- من هذه الأقوال: القول بصحة بيع الفضولي وشرائه؛ لأن حديث عروة البارقي صحيح في هذا، وقول الإمام أبي حنيفة: أنه أذن له بالشراء، محل نظر؛ لأننا نقول: إنما أذن له بالشراء مقيداً، ووقع تصرف عروة البارقي خارج المقيد، فكان فضولاً من هذا الوجه. ومن هنا يستقيم مذهب الجمهور: أن بيع الفضولي وشراءه موقوف على إجازة المالك الحقيقي، وأنه متى أجازه حكم بصحة البيع ونفوذه. والله تعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير