تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأرض تنفجر ثم تنبع من هذه العيون التي تجري في الأرض، سواءً كانت عيوناً مالحة فآبار مالحة، أو عيوناً حلوة فآبار حلوة، أو جامعة بين الاثنين فيختلط فيها العذب بالمالح لكنهما يختلطان فوق ولا يختلطان في الأسفل، كما أخبر الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ [الفرقان:53]. فالمقصود: أن الله سبحانه وتعالى جعل العيون الجارية تتفجر فتكون في الآبار. وتارة يكون البئر بالجنة وهي جنة البئر، بمعنى: أن يحفر البئر بالطريقة القديمة، ويكون الماء الموجود فيه عن طريق التسرب الذي يكون في جنبات البئر لا عن طريق عين في ذات البئر، فيستوي الحكم في كلتا الحالتين، سواءً كان نقع البئر من عينٍ من الأرض فارت وصعدت، أو كان نقع البئر جنة مجموعة من أطراف البئر خاصةً في الأماكن الخصبة التي فيها ماء كثير، فإنه لا يحفر الإنسان إلى أمدٍ قريب إلاّ ويجد الماء بغزارة في الذي حفر، فسواء كانت البئر عادية منفجرة عن عين، أو كانت البئر مجتمعة من الجنة، وعلى هذا ففي كلتا الحالتين لا يصحُّ بيع نقع البئر. ونقع البئر يكون فضلاً من الماء، فإذا كان عندك بستان وأردت أن تستقي من بئر أحدثته فأنت أحق وأولى؛ لكن لو زاد من هذا الماء زائد وفضل وجاء إنسان يريد أن يشرب منه أو يسقي دوابه أو يريد أن يأخذ منه للسفر كما يقع في الآبار التي تكون على السبل والطرق فالأمر أشد، فمنع هذا الفضل فيه وعيدٌ شديد، ولذلك أخليت الملكية عن هذا، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن بيع نقع البئر، وفي الحديث الصحيح: أن من فعل ذلك -بمعنى أنه منع فضل مائه- فإن الله لا يكلمه يوم القيامة، ولا ينظر إليه، ويقول الله له -كما في الحديث القدسي الصحيح-: (كما منعت فضل مائك اليوم أمنعك من فضلي)، ومن منعه الله من فضله فهو على هلاك، ولذلك قال العلماء: منع فضل الماء عن المحتاج إليه وعن الناس كبيرة من كبائر الذنوب، ينبغي للمسلم أن يتقيها، وأن يمكن أخاه المسلم إن احتاج إلى هذا الماء، وهكذا العشب الذي ينبت في أرضه، إذا جاء إنسان يريد أن يحتش من هذا العشب لغنمه أو لدوابه فإنه يمكنه من ذلك، وهكذا لو كانت له أرض أو كان له حوش فنبت في هذا الحوش نبت ومرعى وأراد إنسان أن يأخذ منه لبهائمه فقال له: لا تدخل الحوش، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا النبت مما يشترك فيه المسلمون، والله أنبته في أرضه وليس بيده ولا بوسعه أن ينبته، وكم من إنسان يلقي بذره ولا يجد منه شيئاً؛ لأن الله إن شاء أن تنبت الأرض أنبتت، وإن شاء ألا تنبت فإنها لا تنبت، فهي لا تنبت إلا بأمر الله وقدرته، فالله أخرج الماء وأخرج الكلأ، وكذلك الذي يحتطب من شجر الحطب فإنه يُمّكِّن الغير منه، ولو كان عند الإنسان أرض فنبت فيها السمر أو نبت فيها الشجر الذي تأكله الإبل ولو كان مما له شوك فإنه لا يجوز له أن يمنع من له إبل أن يرعى بإبله في هذا؛ لكن لو كان في هذا المكان عورة كأهله ونسائه ويخشى من دخول هذا الرجل عليه، ولا يمكنه التحفظ، فمن حقه أن يمنع مدة وجود العورة، لكن إذا وجد البديل بأن يُمَكنَه من أن يحتش بنفسه ويراقبه ويحفظ عورته فإنه يمكنه من ذلك. والشاهد من هذا كله: أنه لا يصح بيع الإنسان لشيء لا يملكه، أو لشيء يشترك فيه معه غيره، ويأتي الغير لكي يأخذ حقه فيمنعه أو يأبى إلا أن يبيعه عليه أو يأخذ المعاوضة، فإنه لا يجوز له ذلك. قال رحمه الله: [ولا ما ينبت في أرضه من كلأٍ وشوك]. من باب أولى إذا نبت في أرض الله الواسعة فالأمر أعظم، فإذا نبت في أرض الله الواسعة وجاء إنسان يريد أن يرعاه لغنمه أو يرعاه لإبله ودوابه أو يريد أن يحتش منه لبهائمه فإنه لا يجوز لأحد أن يمنعه؛ لأن هذا الحشيش مما يشترك فيه المسلمون بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال رحمه الله: [ويملكه آخذه]. ويملك هذا الحشيش من احتشه، ويملك هذا النقع من الماء من استخرجه، فلو أنك استخرجت من البئر ماءً ثم أخذت هذا الماء وبعته، فلا حرج كما يجري الآن من بعض أصحاب السيارات الذين ينقلون المياه، فإنهم يتكبدون المشقة بالذهاب إلى الآبار، وكذلك استخراج المياه ودفع القيمة لمؤنة رفع هذا الماء ووضعه في خزاناتهم التي معهم، فحينئذٍ يجوز لهم البيع؛ لأنهم لما أخذوه وحازوه ملكوه، ولو أتيت إلى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير