تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المشتري متردداً بين الأمرين، وربما أيضاً يخدع المشتري البائع فيقول له: أشتري منك هذا الكتاب بما في يدي، فلا ندري ما الذي في يده، أهو مثل قيمة الكتاب، أو هو دون، أو هو أكثر؟ فيقع التغرير من المشتري للبائع، وقد يقع منهما الاثنين، كأن يقول له: بعني شيئاً بما في يدي، فقال له: أبيعك شيئاً من أشيائي أو شيئاً من ممتلكاتي، أو أبيعك كتاباً من كتبي، فلا ندري أهذا الكتاب هو الكتاب النفيس، أو هو الكتاب الرخيص؟ فهذا كله من بيع الغرر. ومن حكمة الله سبحانه ولطفه بعباده أنه رحمهم بهذه الشريعة، وهي شريعة الإسلام، ومن أمثلة الرحمة في شريعة الإسلام أنها لم تقتصر على العبادة بل تناولت حتى المعاملة، فأنت إذا دخلت السوق تريد أن تشتري أو تريد أن تبيع فإن الشرع يريد أن يوقفك على ثمن معلوم وعلى مثمن معلوم، ويريدك إذا دفعت المال أن تدفعه لقاء شيء أنت مطمئن وراضٍ في نفسك أن تبذل مالك لقاءه، وكذلك العكس، تبذل سلعتك لقاء هذا المال الذي يدفع لك، ويكون المال معلوماً غير مجهول، منضبطاً بما يتحقق به الأصل الشرعي في الثمن أو شروط الثمن من العلم بجنسه وقدره وعدده -على التفصيل الذي سنذكره إن شاء الله-. فالمقصود: أن تحريم بيع الغرر إنما هو مبني على الجهالة. كذلك أيضاً في حكم الغرر أن يقول لك: أبيعك السمك الذي في الماء، أو أبيعك الحمام الذي في الهواء، فيقول: أرأيت هذه الثلاث الحمام؟ قال: نعم، قال: هذه كانت لي وفرّت عني، وأنا أبيعك كل واحدة بعشرة، فإن أمسكتها فهي لك، أو بعير شرد من عنده أو شاة شردت فقال له: أبيعك هذه الشاة أو هذا البعير بعشرة، فهذا كله من بيع الغرر؛ لأنه يحتمل أن يمسكه فيسلم، ويحتمل أن لا يمسكه فيخسر، ففي جميع هذه الصور يكون البيع مستور العاقبة، ولا يدري العاقد أهو يسلم أو يخسر؟ وقد حرّم الله عز وجل هذا النوع من البيوع، وثبتت النصوص والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريمه. فأول هذه النصوص ما ثبت في الصحيح عن ابن عمر أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر)، هذا الحديث يدلُّ دلالةً واضحةً على أنه لا يجوز بيع الغرر، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (وإذا نهيتكم فانتهوا)، فقد نهانا عن بيع الغرر، فدلَّ على أنه لا يجوز للمسلم أن يتبايع ببيع الغرر، لا آخذاً ولا معطياً. كذلك أيضاً ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه: (نهى عن بيع حَبَل الحَبَلَة)، وبيع حبل الحبلة يأتي على صور، منها: أن يبيعه ما في بطن الناقة، أي: حمل الناقة أو حمل الشاة؛ والسبب في هذا: أننا لا ندري هذا الانتفاخ أهو جنين، أو مرض؟ ولو كان جنيناً لا ندري أهو حيٌّ، أو ميت؟ ولو كنا نعلم عن طريق أجهزة وأمكن الآن أن يستطلع أو يستكشف أنه حي أو ميت فلا ندري أيبقى حياً إلى الولادة، أو يموت؟ ثم إنه لو بقي حياً إلى الولادة وخرج أيخرج كامل الخلقة، أو ناقص الخلقة؟ فإذاً: هذا النوع من البيوع حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حَبَل الَحَبَلَة). كذلك أيضاً ثبت عنه عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث ابن عمر أنه: (نهى عن بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري)، وأنت إذا تأملت نهيه -بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه- عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ما هو إلاّ خوف الغرر؛ لأن الثمرة قبل بدو الصلاح يحتمل أن تسلم فتغنم وتكون رابحاً، ويحتمل أن تتلف ولا تخرج فحينئذٍ تغرم وتكون خسراناً، وبناءً على ذلك حرّم النبي صلى الله عليه وسلم بيعها قبل بدو الصلاح، وأكد هذا بالعلة في حديث أنس الثابت في الصحيح: (أرأيت لو منع الله الثمرة عن أخيك فبم تستحل أكل ماله؟!) انظر إلى هذه الجملة: (أرأيت) أي: أخبرني، (لو منع الله الثمرة عن أخيك) أي: لو بعت أخاك المسلم الثمرة قبل بدو الصلاح، فمنع الله الثمرة ولم تخرج (فبِمَ تستحل أكل ماله؟) فمعناه: أن المال سيدفع لقاء شيء غير مضمون، أو لقاء شيء لا تُعْلم عاقبته. وثبت في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين والمعاومة)، وبيع السنين هو الموجود عند بعض الناس اليوم، وهو أن يبيعه ثمرة البستان ثلاث سنوات أو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير