تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سنتين، والمعاومة: أن يبيعه ثمرة البستان عاماً أو عامين، وبيع السنين والمعاومة بيع للمجهول، وبيع لمستور العاقبة، فدخل في بيع الغرر. كذلك أيضاً ثبت عنه عليه الصلاة والسلام: (أنه نهى عن بيع ما في الضرع)، وهذا النهي عن بيع ما في الضرع مبني على الجهالة بما فيه، فلا ندري أهو سالم أو ليس بسالم؟ ثم لو خرج اللبن لا ندري أهو قليل أو كثير؟ فهو مجهول. وقد يقول لك قائل: هذا الضرع ما دام منتفخاً فالغالب السلامة، والغالب أن فيه لبناً، تقول له: لو سلّمت لك أنه سالم وأنه لبن فهل سيخرج لبناً صحيحاً، وكم قدره هل هو كثير أو قليل؟ فلو كان كثيراً فإنه قد غبن البائع، ولو كان قليلاً فقد غبن المشتري، فإمّا أن يغبن هذا وإمّا أن يغبن هذا، وبناءً على ذلك عدل الله عز وجل بينهما -بين العاقدين- والشريعة بتفصيلاتها وأحكامها المتعلقة بالمعاملات أنصفت البائع وأنصفت المشتري، فلم تظلم هذا ولا هذا، وهكذا الشأن في المعاملات المالية وغيرها، ولذلك قال الله عز وجل: فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:279]. وكما دلّت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم هذا النوع من البيع، سواء كان مجهول العاقبة فلا ندري أيسلم أو لا يسلم؟ أو كان مجهول القدر والصفة فلا ندري أهو كامل أو ناقص؟ جاء كذلك دليل الإجماع يؤكد هذا المعنى، فقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن بيوع الغرر لا تجوز. ...... الحكم المستفادة من تحريم بيع الغرر فإذا عرفنا أن دليل السنة والإجماع على تحريم هذا البيع. يبقى السؤال الأخير: ماذا نستفيد من تحريم هذا البيع؟ أو ما هي الحكم التي يمكن أن نستفيدها من تحريم الشريعة لهذا النوع من البيوع؟ والجواب: إن الله عز وجل إذا أمر أو نهى فإنه الحكيم العليم الذي هو أعلم وأحكم بشرعه وأعلم بعباده، لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ [الأنعام:57] جل جلاله وتقدست أسماؤه وهو أحكم الحاكمين، فالله جلَّ وعلا قد ينهى عن الشيء في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقد لا نُدرك الحِكَم؛ ولكن لا شك ولا ريب أن فيه حكمة، سواءً علم المسلم أو لم يعلم. ومما ذكره العلماء من الحكم في سبب تحريم هذا البيع: أن بيع الغرر طريق لأكل أموال الناس بالباطل، والشريعة لا تأذن بأكل أموال الناس بالباطل؛ لأنه لو أذن للناس أن يبيعوا الأشياء المجهولة، فإن معنى ذلك أن الشريعة بإجازتها لهذا النوع من البيع تفتح الباب لأكل أموال الناس بالباطل، ولو كان الريال لا قيمة له عندي فله قيمة عند الغير، فالشريعة لا تفرق بين الغني والفقير، ووضعت هذه القاعدة أنه لابد من الإنصاف في الحقوق والأموال المدفوعة وأن تكون لقاء ما دفعت دون ظلم للمشتري، وكذلك أيضاً دون ظلم للبائع إذا ظهر الشيء أكثر مما يظن به. ومن الحِكم: أن هذا النوع من البيوع مفضٍ إلى الخصومات والنزاعات، خاصة إذا كان المال له قيمة كبيرة، فإن الله عز وجل قال: وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ [النساء:128]، فالنفوس مجبولة على شحها بالمال، وقال: إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ [محمد:37]، فالأموال تعلقت بها النفوس، حتى إن الدماء سالت والأرحام قطعت والأعراض انتهكت بسبب الأموال -والعياذ بالله-، ففيها فتنة عظيمة، فإذا رأى الشخص أنه يدفع الألف والألفين والثلاثة والأربعة ثم لا يجد شيئاً فإنه ليس من السهولة أن يسكت، فلن يسكت عن هذا الذي أخذ منه، وسيقول مباشرة: قد أخذت مالي بدون حق، يقول له: بعتك، يقول: نعم اشتريت منك أظن أنه سيسلم، وتبين أنه لم يسلم، فحينئذٍ تقع بينهما الخصومة والنزاع، وإذا لم تقع الخصومة فإنه سيتربص لكي ينتقم منه كما أخذ ماله، ويبحث عن حيلة وعن طريقة لذلك، خاصة إذا كانوا تجاراً مع بعضهم فإنه ينتقم بعضهم من بعض، وتصبح أسواق المسلمين محلاً للشحناء والبغضاء، وكأن باب البيع أصبح هادماً لأصول الشريعة ومقاصدها العظيمة. وانظر إلى حكمة الشريعة فإنها تبيح لنا الدنيا؛ ولكن بشرط ألا تفسد الدين، ومن هنا تجد قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يبع بعضكم على بيع بعض)؛ لأنه إذا باع المسلم على بيع أخيه المسلم حصلت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير