تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أبيعك بعيراً واحداً، فقد علمنا الجنس وأنه من بهيمة الأنعام، وعلمنا النوع أنه إبل، وعلمنا العدد أنه بعير واحد؛ لكن جهلنا الصفة، فلا ندري ما هي صفاته؟ أهو كبير السن أم صغير السن؟ ثم أهو متصف بالصفات الجيدة أو الرديئة أو وسط بينهما؟ كذلك أيضاً قد تعلم الجنس وتعلم النوع؛ لكن لا تعلم العدد والقدر، فلو قال لك: أشتري منك بيتك بذهبٍ، فأنت هنا علمت جنس المال ونوعه الذي هو الذهب، لكنك لا تدري كم قدره؟ فلا ندري أهو مائة جنيه أو مائتين أو جنيهاً واحداً؟ فحينئذٍ لا تدري كم قدره وعدده، فهذه جهالة مؤثرة، وأياً ما كان فالجهالة مؤثرة وموجبة لفساد البيع بشرط: أن تكون جهالة موجبة للغرر؛ لأن هناك أنواعاً من الجهالات لا توجب الغرر، وقد تغتفر للضرورة، فمثلاً: حينما يقول لك: بعتك هذا البيت بعشرة آلاف ريال، وأنت تعرف كم عدد غرفه، وتعلم ما هي أوصافه، والحي الذي هو فيه، أو تكون قد دخلت البيت ورأيته؛ لكن هناك جهالة، وهي أنك لا تعلم هل أساس البيت جيد أم رديء؟ لأنه مغيب عنك، فيحتمل أن يكون الأساس منهاراً أو غير منهار، ثم إذا كان غير منهار قد يكون جيداً وقد يكون رديئاً لا يعيش ولا يبقى إلى سنوات عديدة، أو أنه يتلف بكثرة الأمطار أو بالسيول، فهذه جهالة مغتفرة للضرورة، لكن المشتري لو اكتشف أو تبيّن له أن الأساس فيه عيب، واطلع على هذا العيب فإن من حقه أن يرده، فهي تغتفر لإعمال العقد، ولكن إذا تبيّن وجود ما فيه ضرر فمن حقه أن يطالبه بضمان الأرش، أو يطالبه برد البيع وأخذ الثمن الذي دفعه. قال رحمه الله: [فإن اشترى ما لم يره، أو رآه وجهله، أو وُصِف له بما لا يكفي سلماً لم يصح]. الجهالة ترتفع بالعلم بالشيء المبيع، وعليه فالأصل أن يكون المبيع معلوماً، ولذلك بعض العلماء يعبر عن هذا بعبارة أدق ويقول: أن يكون المبيع معلوماً، فلما يقول (معلوماً)، يحدد العلم الذي يشترط وجوده بالجنس والنوع والقدر أي: معلوم الصفات، وقصد المصنف رحمه الله أن يبين أن بيع المجهول لا يصح، فإذا اشترى ما يجهل فيه جهالة مؤثرة -ما لم يره ولم يعلم صفته- فإنه لا يصحُّ البيع، قال له مثلاً: أبيعك أرضاً في مخطط (20×20)، فإنّا لا ندري أهي في مخطط غالٍ أو رخيص؟ لا ندري أتكون في مكانٍ محمود ومرغوب أو في مكان غير محمود ولا مرغوب أو في مكان وسط بين ذلك؟ فحينئذٍ يبيعه شيئاً لم يره، ولم يوصف وصفاً تزول به الجهالة، فإذا باعه شيئاً رآه أو شيئاً وصفه له صفة تزول بها الجهالة صحَّ البيع، قال له: أبيعك أرضاً طولها كذا وعرضها كذا، في شارع كذا، تطل على كذا وكذا، حددّ أطوالها وجهاتها وصفاتها التي تزول بها الجهالة، فحينئذٍ يكون قد أزال الجهالة بالوصف، وكذلك إذا كنت تعرف أرضه أو بستانه ومزرعته، ولم يطل عهدك على وجه يتغير به البستان وقال لك: أبيعك بستاني الذي تعرفه بمائة ألف فقلت: قبلت، وأنت قد رأيت البستان من قبل صحَّ البيع؛ لأن الجهالة ارتفعت بالرؤية، وترتفع بالصفات -كما ذكرنا- فمثلاً: نمثل بأشياء موجودة الآن: كأن يقول له: أبيعك سيارة، فلا يصحُّ البيع؛ لأننا لا ندري ما نوع هذه السيارة، وكذلك لو حددّ نوعها فقال: من نوع كذا، هذا النوع من السيارات لابد أن يحدد -مثلاً- موديله والصفات التي عليه؛ لأن هذا شيء جرى العرف أن الجهالة ترتفع به، ولكنه قال: من نوع كذا، ولم يحدد صفاتها أو موديلها، فإنه لا يصحُّ البيع، ويعتبر هذا من الجهالة المفضية إلى الغرر؛ لأنك ربما ظننت أنها جديدة، فإذا به يبيعك ما كان قديماً، ولربما ظننت أنها من صنع هذه السنة، فإذا بها مصنوعة في العام الماضي أو الذي قبله، وكل ذلك من الجهالة المفضية للغرر، فلا يصح البيع، ولا يجوز على هذا الوجه الموجب للإضرار. قال رحمه الله: [أو رآه وجهله]. (أو رآه وجهله) فإنه لا يصحُّ البيع؛ فمثلاً لو قلت له: أبيعك هذه السيارة، فرأى السيارة ولكنه لا يعلم ما بداخلها، وما هي صفاتها؟ وحتى لو يعرف نوعها فالنوع هذا ينقسم إلى أنواع فهناك الجيد وهناك الرديء، والذي له صفات عالية وصفات دون ذلك، فحينئذٍ إذا باعه على هذا الوجه لا يصحُّ؛ لكن لو باعه شيئاً يجهل المشتري حقيقته، ولم يستفصل عن حقيقته، واشترى هذا الشيء، كمن يدخل بقالة ويرى كيساً فيقول: بكم هذا الكيس؟ قال: بعشرة، قال: خذ العشرة، فإنه يلزم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير