تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الشافعية رحمهم الله على قوله: أبيعك على أن يقوم لمسك مقام نظرك، أنه لا يصحُّ شراء الأعمى؛ والسبب في هذا أن الأعمى يشتري السلع باللمس؛ لأنه لم يرها على حقيقتها. وقال جمهور العلماء: بصحة بيعه وشرائه، ثم يكون له الخيار إن كذب عليه أو ختل؛ والسبب في هذا: أن الأعمى يلمس الثوب ويفتشه، ولكن في الملامسة يلمس ولا يفتش. وهناك فرق بين اللمس دون الفتش، وبين اللمس مع الفتش، فالغرر مع الفتش أخف، ولذلك لا تنطبق عليه الملامسة من جميع الوجوه، فلا يصبح مندرجاً تحت التحريم. قال رحمه الله: [والمنابذة]. (المنابذة) ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، والمنابذة كالملامسة: مفاعلة من النبذ، وأصل النبذ الطرح، ومنه سمي النبيذ نبيذاً؛ لأن صفته أن يُطرح التمر في الماء، أو يُطرح البلح في الماء حتى يستطيب ويعذب بطعم التمر والبلح، وهذا النوع من البيوع حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لاشتماله على ختل المشتري والتغرير به، وذلك أن البائع يقول للمشتري: إذا نبذت الثوب فهو عليك بكذا، أو يقول له: أي ثوب أنبذه لك -أي: أرميه- فهو عليك بعشرة، وبعض الأحيان يقول له: إذا نبذت الثوب فلا خيار لك، كل هذه الصور محرمة؛ والسبب في هذا: أنهم كانوا في القديم يأتي الرجل -كما ذكرنا- ويبسط ثوبه للبيع، ويمر رجل يريد أن يشتري، فإذا أعجبه الثوب الذي طُرح للبيع رمى ثوبه هو، فإن أعجب الآخر الثوب يقوم مباشرة وينبذ له الثوب، ولا يقول له: بعت، ولا يقول الآخر: اشتريت، وهذا وجه الغرر فيه وهو أنه لا يفتش، بل يجعلان النبذ ملزماً بالبيع. على هذا الوجه -وهو كون بيع المنابذة محرماً؛ لأن كلاً منهما ينبذ ولا يتكلم- فرّع الشافعية المسألة المتقدمة معنا وهي تحريم بيع المعاطاة، والمعاطاة قائمة على النبذ بدون صيغة، فقالوا: إن تحريم بيع المنابذة سببه عدم وجود الصيغة في قوله: بعت، وقول المشتري: اشتريت، وقد قدّمنا الكلام في مسألة بيع المعاطاة، وقلنا: إن الصحيح مذهب الجمهور وهو: أنّ المعاطاة تصحّ في الكثير والحقير؛ لعموم الأدلة الدالة على جواز البيع. أمّا حديث المنابذة فلا يشمل بيع المعاطاة؛ لأن المنابذة أن ينبذ له الثوب وينبذ الآخر الثوب دون فتش ودون ...... حكم بيع الشيء غير المعين قال رحمه الله: [ولا عبد من عبيده ونحوه]. أي: ولا يصحُّ بيع عبد من عبيده، وفي القديم كان بيع العبيد والأرقاء، وذكر بيع العبد من عبيده يدخل فيه بيع شاة من الشياه، وبيع بقرة من البقر، وبيع ثوب من الثياب، فأصل المسألة بيع المجهول، وإذا قال له: أبيعك عبداً من عبيدي، أو ثوباً من ثيابي، أو شاةً من شياهي، أو بقرةً من البقر الذي عندي، فهذه لها صورتان: الصورة الأولى: أن يكون الجميع بمنزلة واحدة، ولا تتفاوت واحدة عن أخرى، فيقول له: أبيعك عبداً من عبيدي وكلهم في مرتبة واحدة، وفي درجة واحدة، وفي صفة واحدة من حيث الجودة أو الرداءة، أو يقول له -كما هو موجود في عصرنا الحاضر-: أبيعك سيارة من سياراتي، وعنده ثلاث سيارات كلها بصفة واحدة، أو أنه لا يورِّد إلاّ نوعاً معيناً من السيارات وكلها بصفة واحدة، فإذا قال له: أبيعك عبداً من عبيدي، أو ثوباً من ثيابي، أو قلماً من أقلامي، أو كتاباً من كتبي، أو سيارة من سياراتي، أو عمارةً من عماراتي، وكلها بصفة واحدة، صحَّ البيع ولا إشكال؛ لأن البيع قد تردد بين أشياء متساوية، فلا غرر، إن أخذ هذا فهو كأخذه لهذا، وحينئذٍ يكون التغرير زائلاً إذا وصف أحدها صفة تزول بها الجهالة. أمّا لو قال له: أبيعك كتاباً من كتبي، وكتبه لا تعرف، فهذا قطعاً من المجهول، وهو محرم؛ لكن إذا قال له: أبيعك كتاباً من صحيح البخاري من النسخ الموجودة عندي، والنسخ كلها بمرتبة واحدة صحَّ، أو قال: أبيعك قلماً من أقلامي، وهو ليس عنده إلاّ نوع معين من الأقلام، وكله بصفة واحدة صحَّ، إذاً: ما دام أنّ المبيع يتردد على صفة واحدة فلا غرر ولا إشكال، فكل واحد منها قائمٌ مقام ما هو مثله. الصورة الثانية: أن يقول له: أبيعك عبداً من عبيدي، أو ثوباً من ثيابي، أو قلماً من أقلامي، أو سيارة من سياراتي، وهي متفاوتة، فأسعارها مختلفة، وصفاتها مختلفة، فحينئذٍ لا يجوز البيع، ولا يصح؛ والسبب في هذا: أنه إذا قال له: أبيعك سيارة من سياراتي، أو أرضاً من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير