تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يسمِّ شيئاً غيره إذ لم يقل سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لا تتعاقدوا أو ذروا العقود)، إنما قال: (وَذَرُوا الْبَيْعَ) فنهى سبحانه عن البيع وحده، وإذا خص النهي بشيء تعلق به وفُهم من ذلك أن ما عداه باقٍ على الأصل، فلو أن رجلاً قال لرجل وهما ماضيان للجمعة: زوجتك بنتي، قال: قبلت، وكان بحضور رجلين صحَّ العقد ولا يؤثر فيه كونه بعد النداء الثاني، وهكذا بقيّة العقود واختلف في الإجارة؛ لأن الإجارة تقاس على البيع في كثير من المسائل، والذي يقوى أن نفس المعنى الموجود في البيع موجود في الإجارة، فلو قال قائل بالتحريم لكان قوله من القوة بمكان.

الوسائل تأخذ حكم المقاصد [ولا يصحُّ بيع عصيرٍ ممن يتخذه خمراً]. العصير يكون من الفواكه ونحوها من الثمار التي تعصر ويستخلص المائع منها، وهذا يشمل ما إذا كان من الفواكه وغير الفواكه. وهذه المسألة تعرف عند العلماء بسد الذرائع؛ والسبب في هذا: أن الله سبحانه وتعالى حرّم أموراً وحرّم الوسائل المفضية إليها، ومن هنا نجد العلماء يقولون بالقاعدة المعروفة: (الوسائل تأخذ حكم مقاصدها) والوسائل جمع وسيلة، والوسيلة: هي ما يتوصل بها إلى الشيء، فالسيارة وسيلة إلى بلوغ المسجد، فإن كان ركوبه من أجل أن يفعل واجباً فإنها طاعة وقربة، وإن كان ركوبه من أجل أن يفعل محرماً فإنها إثمٌ ووزر -والعياذ بالله-، فهناك مقاصد وهناك وسائل، والمقاصد في المنهيات كالجرائم: كالزنا، وشرب الخمر، والقتل -والعياذ بالله- أي: أنها نفس الحدود التي تقصد وتراد، وهناك أشياء يتوصل بها إلى هذا الحرام، فهذه الأشياء التي يتوصل بها إلى الحرام من زنا وشرب خمر وقتل -والعياذ بالله- تأخذ حكم مقاصدها، وعلى هذا جاءت نصوص الشريعة، ولذلك قال الله عز وجل: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31]، فلما صار ضرب المرأة برجلها حتى يسمع الصوت فتلتفت الأنظار إلى مصدر الصوت فكأنها تقصد النظر إليها، والنظر إلى المرأة يفضي إلى الحرام وهو الزنا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (العينان تزنيان وزناهما النظر)، فيحرم النظر إلى المرأة، والنظر ذاته ليس هو الجريمة، بل الجريمة هو الشيء الأعظم الذي هو الزنا، لكن النظر يهيئ ويهيج الشهوة والغريزة من أجل أن تقع في الحرام، فليس هو المقصود الأخير الذي من أجله حرّم الله سبحانه وتعالى النظر، وإنما هو وسيلة يتوصل بها إلى الحرام. وكالخلوة بالمرأة الأجنبية والجلوس معها فإن نفس الخلوة والجلوس معها بذاته ليس هو الجريمة لكن الجريمة الزنا؛ فإذا جلس معها دون رقيب ودون نظر من الناس ودون محرم فمعنى ذلك: أن نفسه تحدثه بالحرام ونفسها تحدثها -والعياذ بالله- بالحرام، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، وقال: (ألا لا يخلونّ رجلٌ بامرأة)، فنهى عن ذلك، والخلوة ليست هي الزنا بذاتها؛ لكنها وسيلة إلى الزنا، والسفر مع المرأة الأجنبية كذلك، فليس هو بذاته الزنا وليس بذاته فعل الحرام؛ لكنه إذا سافر معها تهيأت الأسباب مع وجود البواعث النفسية التي فُطر عليها الإنسان وجُبِل عليها من ميل الرجل للأنثى وميل الأنثى للرجل فحينئذٍ يقعان في المحظور، وكأننا إذا قلنا بالإذن لهما كأننا نهيئ السبب للوقوع في الحرام، فهذا كله يسمى في الشرع (الوسائل)، والوسائل تفضي إلى المحرمات، ثم هذه الوسائل كما قرر العلماء رحمهم الله تتفاوت درجاتها وآثامها على تفاوت مقاصدها في انتهاكها لحدود الله عز وجل، فالوسائل إلى الشرك أعظم من الوسائل إلى الزنا، والوسائل إلى الزنا أعظم من غيرها مما هو دونها من الجرائم. فإذاً: عندنا مقاصد وعندنا وسائل، ومن ما كُتب في هذه المسألة ما كتبه الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله في كتابه النفيس: قواعد الأحكام ومصالح الأنام، فقد تكلّم كلاماً نفيساً على الوسائل، وأنها تأخذ حكم مقاصدها، وأنها تتفاوت بحسب تفاوت الدرجات، ولذلك نجد فعل السلف على هذا، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قطع الشجرة التي بايع الصحابة تحتها بيعة الرضوان، وهي البيعة التي أثنى الله على أهلها وشهد من فوق سبع سموات أنه اطّلع على قلوب الصحابة فوجد فيها حبّ الله وحبّ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير