تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رسوله صلى الله عليه وسلم والصدق في العهد: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:18]، علم الخير والإيمان والصبر والثبات ونصرة الإسلام، فهذا المكان له شرف وله فضل من حيث الوصف، فلما مرّ عليها عمر أمر بقطعها، وقيل: إنه بعث من يقطعها. ما السبب؟ السبب في هذا أنه جاءت خلوف من بعد الصحابة رضوان الله عليهم خشي عمر أن يقول قائلهم: هذه الشجرة التي بايع تحتها الصحابة، فيصبحون يصلون عندها أو يتعلقون بها أو يتبركون بها أو يعتقدون الفضل في مكانها فقطعها، والقطع للشجرة إتلاف لها، وإتلاف الزروع والثمار والأشجار لا ينبغي إلا لوجود أمر هو أعظم من هذا الأمر، فنظر عمر رضي الله عنه إلى خوف الإفضاء إلى الشرك وخوف التعظيم الذي يفضي إلى العبادة فحينئذٍ سد الذريعة، وإذا أزيل هذا الأثر ليس هناك أمر مفروض سيزول؛ إنما هناك أمر عظيم وهو حق الله عز وجل الذي من أجله خلق الخلق سيستقيم وسيكون الناس في مأمن مما يلوثه ويدنسه من التعلق بغير الله عز وجل. إذاً هذه قاعدة: أن الوسائل تأخذ حكم مقاصدها، فهنا العصير إذا كان الشخص يأخذ العنب فيعصره -والعياذ بالله- خمراً أو يأخذ التمر فينتبذه ويجعله نبيذاً إلى أن يصير خمراً، أو يأخذ أي شيء من الأشياء التي تعصر ويشتريها ثم يُصَنِّعْها خمراً، لا يجوز البيع له، وإن كان ذات البيع جائزاً من حيث الأصل، فالقضية ليست في البيع، إنما القضية أن البيع أصبح وسيلة إلى حرام، والوسيلة تأخذ حكم مقصدها، فلما كان مقصدها الحرام وكونك عندما تبيعه يعينه ذلك على الحرام أُمِرت أن تمتنع؛ لأنه من باب: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فواجب عليك أن تمنعه من الحرام، فإذا امتنعت من البيع له لم يستطع أن يعصر، وإذا امتنع الناس من بيع العنب لمن يعصره خمراً تعذّر عليه أن يُحْدِث الخمر وتعذر عليه أن يصنع الخمر، وفي حكم الطعام المُصنَّع بالآلات، فالآلات إذا اتخذت للحرام وكانت وسيلة إلى الحرام فإنه ينبغي المنع من الإعانة عليها بإعطائها أو بيعها أو إجارتها، وعليه فالوسائل تأخذ حكم مقاصدها، وقد جاء في الأثر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب ممن يتخذه خمراً)، وقال: (إنه إذا باعه فقد تقحم نار الله على بصيرة) والعياذ بالله! فعلى هذا لا يجوز للمسلم أن يبيع العصير ممن يتخذه خمراً. وفي حكم ذلك جميع الوسائل كما يقع في زماننا: فلو علم أنه يهرّب الحشيش، أو يهرّب المخدرات، أو يتخذ بيته للدعارة أو للفساد، فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يتعاطى أسباب الحفظ فيمتنع من إجارة البيت له، ويمتنع من إجارة السيارة له، ويمتنع من إعانته على هذا المحرم الذي يفضي إلى الإضرار بالناس والإضرار أيضاً بمن يأخذ ذلك المباح، فيتذرع به إلى الحرام. فالمقصود: أن المصنف رحمه الله شرع في بيان النهي بالوسائل، وهو أن البيع قد يحرم لكونه وسيلة إلى الحرام. قال رحمه الله: [ولا سلاح في فتنة]. أي: ولا يجوز بيع السلاح في الفتنة، وهذه نفس القضية، وهذا من باب التمثيل، فذكر أولاً العصير ممن يتخذه خمراً، ثم ثنى بالسلاح في الفتنة، فإذا وقعت فتنة بين المسلمين فتقاتلوا فحينئذٍ إذا بيع السلاح فإن معنى ذلك أنه سيستعين المسلم بهذا السلاح على قتل أخيه المسلم، فلو حدثت نعرة جاهلية بين طرفين -مثلاً- وتقاتلوا فجاء إنسان وباع السلاح لأحد الطرفين فإنه شريكٌ في الدم الذي يراق في هذه الفتنة جميعها، وكل ما ينشأ من سفكٍ لدم حرام بما باعه فإنه يكون شريكاً لصاحبه في الإثم والوزر -والعياذ بالله-، وهذا يدل على عمق الشريعة الإسلامية ومحافظتها على الناس، وأن القضية ليست قضية مادية، وأنه ينبغي أن ينظر إلى الدين أنه هو الأساس وأنه هو المعوّل، فلو قال قائل: نترك الناس يتبايعون، وأنا الذي يهمني أن أبيع، نقول: لا، الدين هو الأساس، فإذا أفضى الأمر إلى شيء فيه معصية لله ومعصية لرسوله صلى الله عليه وسلم وانتهاك لما حرّم الله فإنك شريكٌ في الإثم، والله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فكأنه إذا باع السلاح لمن يقتل به إخوانه المسلمين فقد أعان على الإثم وهو سفك الدم الحرام، وأعان على العدوان؛ لأنه سفكٌ بدون حق، وهكذا بالنسبة لبقية الصور، فالعلماء يذكرون بيع العصير ممن يتخذه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير