تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رحمه الله: [وشراؤه على شرائه: كأن يقول لمن باعَ سلعةً بتسعةٍ: عندي فيها عشرةً]. كما لا يجوز بيع المسلم على بيع أخيه كذلك لا يجوز شراؤه على شراء أخيه، أي: يسوم على سوم أخيه المسلم فمثلاً: هناك عمارة أو أرض عرضها رجل للبيع، ولما عرضها جاء الناس يشترون ويسومون، فالسوم لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن تعرض العمارة أو الأرض ويترك الخيار للجميع يسومون ويزيدون، مثل بيع المزايدة أو ما يقع في حراج السيارات من عرض السيارات للمزايدة، فيجوز لك في هذه الحالة أن تزيد الثمن على أخيك؛ لأنه بيع مزايدة، ولم يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حرم بيع المزايدة. وهناك حديث ضعيف: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزايدة)، لكنه حديث ردّه العلماء، وممن ضعفه الإمام البخاري رحمه الله، لكن يكون الإشكال إذا حصل البت بين البائع والشاري فيأتي آخر ويقطع بينهما، فلو عرضت السيارة مثلاً في الحراج وثبت السعر والمزاد، فلا يجوز لك أن تأتي وتقطع ما بين الطرفين، أي: إذا بتا ورضيا على أن السيارة تباع بعشرة آلاف فقد سام أخوك بعشرة آلاف ورضي البائع بيعها بعشرة آلاف، فلا يجوز في هذه الحالة أن تقول: أعطيك فيها خمسة عشر .. أعطيك فيها أحد عشر .. أعطيك فيها اثني عشر؛ لأنك سمت على سوم أخيك بعد التراكن، فبعد ركون البائع للمشتري وحصول الطمأنينة في الثمن لا يجوز أن تسوم على سوم أخيك، وعلى هذا حمل قوله: (ولا يَسِمُ المسلم على سوم أخيه)، (نهى أن يسوم الرجل على سوم أخيه)، أي: أخيه المسلم. يبقى السؤال بالنسبة للذمي الكافر: فلو أن كافراً عرض سلعته بمائة وأنت سلعتك عرضتها بتسعين، وجاء رجل يريد أن يشتري من الكافر فقلت له: أنا عندي نفس السلعة بتسعين فظاهر الحديث تحريم بيع المسلم على بيع أخيه، وهذا مفهومه أنه إذا كان كافراً وليس من إخوانه -كما يقوله بعض العلماء- أنه يجوز أن يبيع على بيعه، وأن يسوم على سومه. قال رحمه الله: [ليفسخَ ويعقد معه، ويبطل العقد فيهما]. أي: ليفسخ البائع الثاني بيع الأول ويعقد معه على سلعته وصفقته واللام للتعليل أي: من أجل أن يفسخ، ومراده بقوله (ليفسخ) أي: يفسخ البيعة الأولى لأخيه المسلم، أو من أجل أن يفسخ بالسوم الثاني السوم الأول، وهذا يدل على أن السوم الأول قد ثبت؛ لأنه قال: يفسخ، معناه: أنه إذا كان أثناء المزايدة وأثناء العرض أنه لا بأس به، فخِطْبة الرجل على خِطْبة أخيه المسلم، وبيعه على بيع أخيه المسلم، وشراؤه على شراء أخيه المسلم كله محرم، وشرطه إذا حصل التراكن، لكن لو أنهما امتنعا عن إتمام العقد فيجوز للثالث أن ينشئ عقداً جديداً، كما لو أن تقدم لها رجل فلم ترضه أو امتنعت فتجوز خطبة الثاني؛ لأنها لم ترض بالأول، وهكذا إذا لم ترغبه ولم تبت فيه ولم يحصل التراكن يجوز خطبة الثاني، لما ثبت في الصحيح من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله! إن معاوية بن أبي سفيان وأبا الجهم قد خطباني، فقال صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فرجل لا يضع العصا عن عاتقه، انكحي أسامة)، فأمرها صلى الله عليه وسلم بنكاح الثالث، وهذا يفسر معنى قوله: (لا يبع على بيعه، ولا يخطب على خطبته) وهذا يكون في حالة التراكن والميل، أمّا إذا كان السوق سوق عرض، فقام أحدهم يصيح: بعشرة، والثاني يصيح: بتسعة، والثالث يصيح: بثمانية، فهذه أسواق المسلمين كلٌ يبيع سلعته ويعرض، ويصبح التنافس تنافساً شريفاً أو يكتب على محله السلعة بكذا، أو البضاعة الفلانية بكذا، فهذا تنافس شريف لا إشكال فيه. فلما قال: (ليفسخ) دل على أن العقد الأول أوجب وتراكنا مع بعضهما، وأن الثاني دخل على الأول إمّا بيعاً وإمّا شراء ففي كلتا الحالتين يحرم، وهكذا بالنسبة للخطبة على الخطبة، كما سيأتي إن شاء الله في باب النكاح. قال: [ويبطل العقد فيهما]. اختلف العلماء إذا باع على بيع أخيه أو سام على سوم أخيه فقال بعض العلماء: البيع الثاني باطل، كما هو مذهب الحنابلة والظاهرية وطائفة من أهل الحديث. وقال جمهور العلماء: البيع الثاني صحيح، ولكنه يأثم ببيعه على بيع أخيه المسلم؛ لأن أركان البيع وشروطه تامة، وهذا ما يسمى بمسألة: هل النهي يقتضي فساد المنهي عنه؟ والصحيح -كما ذكرنا غير مرة-: أن النهي إذا لم يرجع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير