ثار الجدل مؤخرا «بلا إحم ولا دستور» عن النقاب، أثارته دوائر مجهولة أو هى معلومة لا يصرح بها، الغريب أن يثير جُهَّال أزمة حول النقاب، ومن الطبيعى أن يسايرهم فى ذلك الدكتور محمود حمدى زقزوق فلم يعلم عن الرجل إلا حربه ضد كل ما هو من الشعائر الإسلامية الخالصة، وطبيعى أيضا أن يتكلم عن النقاب سوءا أراذل الجمعيات الحقوقية، الذين لا يتكسبون أموالهم إلا من أجل هذه المهام التخريبية لعقيدة الأمة وطمس معالمها.
لكن الغريب أن يُلبس هذه المعاول ثوب الدين شيخ الجامع الأزهر محمد سيد طنطاوى، مفتعلا أزمة بلا أزمة عندما نهر فتاة المعهد الدينى ووبخها وأمرها بأن تنزع نقابها وكسر نفسها وأحبط قلبها عندما أهان مشاعرها بقوله لها «أمال لو كنتى حلوة كنتى عملتى إيه» ..
كان الرجل يقدم لدوائر داخل مؤسسات الحكم، وأخرى خارجها ذات فاعلية فيها، ولاءات على حساب المستقر من الفقه والتراث وفهم وفعل وتطبيق السلف الصالح، وأثار قضية بلا قضية ولم يكن غريبا ذلكم البيان الذى صدر ممن أُجلسوا على مقاعد واسعة جدا عن مقاساتهم فى مجمع البحوث الإسلامية، مقاعد جلس عليها العظام عبر التاريخ من أصحاب العمائم، الذين صدعوا بالحق دوما ولم تلن عريكتهم، وها قد استبدلوا بأصحاب الكرافتات الشيك والبدل الفاخرة، الذين يختمون لكل حاكم ويبصمون لكل طامع فى طمس هوية البلد وتضييع معالم الدين وقرروا تأييد قرار المجلس الأعلى للأزهر بمنع الطالبات من ارتداء «النقاب» داخل فصول المعاهد الأزهرية وقاعات الامتحانات والمدن الجامعية التابعة للأزهر.
بينما كنت أصلى فى مسجد موسى بن نصير بالقرب من سكنى استوقفنى أحد المصلين، وقد كان رجلا وقورا مسنا تبدو عليه علامات الصلاح وسألنى: هل يكفى مقال تكتبه لردع هذا الرجل الذى يعتلى منصة الأزهر؟
وتابع الرجل: هل يكفى لجبر خواطر الفتاة التى آذاها شيخ الأزهر تلك السطور التى كتبتها أنت أو غيرك؟ كان الرجل واضحا فى دفعى لمقاضاة شيخ الأزهر، وأنَّى لى أن أفعل وصاحبة الصفة التى أهينت لم تتقدم لمقاضاته، حسبى أن أكون مدافعا عن كل منتقبة تُحرم من دخول معهد للعلم فى الأزهر أو غيره تطوعا حسبة لله رب العالمين.
نحن إذاً أمام ساحة نزال يرمز لصاحب الدين فيها بكونه شيخاً أو عالماً ربانياً يمثله صاحبنا الشيخ المقدم ومعه كل فتاة أو سيدة تتمسك بحجابها أو نقابها رغم كل المعوقات التى تُوضع فى طريقها، وطرف آخر يتقدمه شيخ الأزهر حسبما ارتضى لنفسه بذلك الموقف وبجواره علماء كثر من علماء السلاطين، وجمعيات ونشطاء دعاة للتغريب فى بلادنا، يروجون لمقررات مشبوهة تصدرها مؤتمرات السكان الدولية، التى تحض علناً على الرذيلة وحق ممارسة الجنس الآمن للإناث خارج العلاقة الزوجية الشرعية!!
لذلك يسوغون تجريم زواج الفتاة دون الثامنة عشرة رغم إحصائيات العنوسة التى تتحدث عن 14 مليون فتاة عانس فى بلادى!!
لم أشرف بلقاء ذلكم العالم الربانى إسماعيل المقدم غير مرة واحدة عابرة منذ سنوات عدة ابتُِلى وقتها، وكان لى شرف مؤازرته، وجدته شديد التواضع والأدب والأخلاق الكريمة، لكنه أصبح بعدها رمزا كبيرا للمدرسة السلفية بالإسكندرية يدعو للتمسك بالكتاب والسنة بفهم الصحابة وتابعيهم،
وبالرغم من كونه طبيبا تخرج فى كلية الطب بجامعة الإسكندرية فإنه أصدر حتى الآن قرابة الثلاثين مصنفا علميا فى المكتبة العلمية والإسلامية، بالإضافة إلى المحاضرات المسموعة والمصورة، وحصل أيضا على ليسانس الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة بالأزهر، ويدرس كذلك الماجستير فى الأمراض النفسية والعصبية.
وفى الأسبوع الماضى قرر تابعو شيخ الأزهر فى مجمع البحوث الإسلامية حظر كتاب «معركة السفور والحجاب» لصاحبه وصاحبنا محمد إسماعيل المقدم!!
فى سابقة لم نر لها مثيلاً منذ محاكم التفتيش وسيطرة الكنيسة على عقول الناس، والكتاب يؤكد وجوب ارتداء النقاب وعدم جواز كشف وجه المرأة فى بعض الحالات، التى من أهمها إذا كان وجهها مثيرًا للفتنة، والكتاب المحظور تضمن إسقاطا على دور قاسم أمين وأفكاره وتفنيدها حسبما وردت فى كتابه «تحرير المرأة»،
وتعرض المقدم فى كتابه أيضا لمعركة الحجاب فى مصر وتركيا ودور الحركات العلمانية فى القضاء على الحجاب كما تناول تكريم المرأة فى الإسلام واحترامه لها، وكل تلك المسائل وغيرها رصدها بأدلة من الكتاب والسنة، فى الوقت الذى لم يقدم فيه غيره دليلا واحدا يمنع ارتداء النقاب أو يحظر الكتاب.
أما الطرف الثانى الذى يمثله أبرز رجاله الدكتور محمد سيد طنطاوى فلم نقرأ له يوما أنه شدد النكير على الكاسيات العاريات، ولم يدع يوما لموقف زاجر لحاسرات الرأس أو لابسات الملابس القصيرة والخليعة مثلما زمجر وأرغى وأزبد فى معركته مع النقاب، حصل طنطاوى على الدكتوراه فى التفسير والحديث عام 66، وعمل بالسلك الجامعى حتى أصبح عميدا لكلية أصول الدين بأسيوط، حيث تلقفه الرئيس السادات بالرعاية وتم تعيينه فى عهد الرئيس مبارك مفتيا رسميا لمصر ثم شيخا للأزهر، وفتاواه كوارث من الناحية الشرعية والسياسية، فقبيل الغزو الأمريكى للعراق أقال رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الذى طالب بالتصدى للغزاة، كما أقال آخر أفتى بعدم شرعية المجلس الانتقالى للعراق فى ظل الاحتلال!!
وقدم مسوغا رسميا وشرعيا لساركوزى عندما كان وزيرا للداخلية، واستقبله فى الأزهر وأشاد بقرار حظر ارتداء الحجاب بالمدارس الفرنسية!!
وطالب فى وقت لاحق بجلد الصحفيين الذين ينتقدون الرئيس مبارك أو قالوا إنه مريض وصافح شيمون بيريز جهارا نهارا.
خسر دعاة التغريب معارك الحجاب وقتل مشاعر الحماسة والتدين فى قلوب المصريين، والمؤكد خسارتهم معركة النقاب.)) اهـ
¥