تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الشرع، وإمّا أن يكونا مخالفين للشرع، أي يتضمنان محظوراً شرعياً. فأما الشرطان اللذان يتفقان مع الشرع فكأن يقول لك: أبيعك هذه السيارة وأشترط عليك أن يكون بيعها مؤجلاً -أقساطاً-، وأشترط عليك كفيلاً غارماً، فاشترط عليك في العقد شرطين: البيع المؤجل وهو لا ينافي الشرع، والشرع أذن به كما أذن بالمعجل ما لم يتضمن غرراً، وكونه يشترط كفيلاً غارماً هذا من مصلحة العقد؛ لأنه إذا عجز المشتري قام الكفيل بالسداد فتمّ البيع، فهذان الشرطان دخلا في العقد على وجه يوافق الشرع وليس هناك أيّ معارضة للشرع، فإذا كانت الشروط موافقةً للشرع فتنقسم أيضاً إلى قسمين: تارةً تكون من مصلحة عقد البيع، كما ذكرنا في تأجيله وأيضاً اشتراطه للكفيل، وتارةً يكون الشرطان لا يخالفان الشرع لكن فيهما منفعة لأحد المتعاقدين، أي: أن يشترط شرطين لمصلحته هو بائعاً أو مشترياً. ففي الصورة الأولى اشترط شرطين، وصحيح أن فيهما مصلحة للبائع؛ لكن فيهما إمضاء للعقد وحفاظ على إتمامه؛ لأن الكفيل سيسدّد ويمضي العقد، وهذا أضمن للحقوق، وهذا يسمونه من مصلحة العقد، لكن في الصورة الثانية من الشروط التي لا تعارض الشرع أن يكون فيه منفعة للمشتري أو منفعة للبائع -كما ذكرنا- يشتري منه القماش ويقول: أشتري منك هذا القماش بشرط أن تخيطه وتغسله، فحينئذٍ تضمن العقد شرطين مشروعين بأصلهما؛ ولكنهما لمنفعة أحد المتعاقدين. إذاً: الصورة الأولى جائزة بالإجماع وهذا مثال آخر لها: أن يقول له: أبيعك هذه الأرض، فيقول المشتري: بشرط أن يكون لها صك، وأن يكون إفراغها فوراً، فإنّ الصك لاستيثاق البيع وضمان الحق، وإفراغها فوراً مما يمضي الحق ويمليه، فهذا لا إشكال فيه وهذه شروط مشروعة، وحكى الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء: أنّه لا بأس بهذه الشروط؛ لأنها من مقتضيات العقد أو مما يعين على صحة العقد. والصورة الثانية من الشروط المشروعة والتي تتضمن منفعة لأحد المتعاقدين -كما ذكرنا- أن يقول له: أشتري منك هذا الحطب بمائة على أن تكسره وتحمله إلى بيتي -هناك في المثال السابق قلنا: تكسره فقط؛ لكن هنا: تكسره، وتحمله إلى بيتي -فأصبح عندنا شرطان، وهذه الصورة وقع فيها الخلاف بين العلماء رحمهم الله. فقال بعض أهل العلم: هذان الشرطان لا يعارضان الشرع، بل لو زاد شرطاً ثالثاً صح ولا بأس. واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام: (ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل) فمنطوق الحديث يدل على بطلان الشروط التي تخالف الشرع، ومفهوم الحديث: أن الشروط لو كانت توافق شرع الله فإنه لا بأس بها وليست بباطلة، وهذا دليلهم الأول. الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون على شروطهم، أو عند شروطهم) قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين ما تكررت فيه الشروط وبين ما كان شرطاً، وعلى هذا فإن الاشتراط جائز للشرطين كما هو جائز للشرط الواحد. وأما الذين منعوا، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله عليه ويقول به طائفة من أهل الحديث واستدلوا بظاهر السنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ولا شرطان في بيع) أي: لا يحلُّ الشرطان إذا وقعا في بيع، قالوا: فنأخذ بظاهر هذا الحديث، ثم قالوا: لو قلنا: إن الحديث المراد به: شرطان فاسدان -أي: يعارضان الشرع- لما كان للحديث معنى؛ لأن الشرط الواحد المعارض للشرع يبطل البيعن فمن باب أولى إذا كانا شرطين، فيكون ذكر النبي صلى الله عليه وسلم للشرطين خالياً من الفائدة. توضيح ذلك: أنه لو كان مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ولا شرطان في بيع) الشرطان المعارضان للشرع فإن الشرط الواحد منهما محرم فكيف يقول: (شرطان)، إنما يقول: شرط واحد وينّبه على ذلك، لكن كونه يقصد الشرطين يدل على أن الأصل فيهما الجواز ولكنهما حظرا لكونهما يوجبان شيئاً من الغرر أو الفتنة. مثال ذلك: نذكر المثال الذي ذكره المصنف: إذا اشتريت الحطب على أن يكسره ويحمله إلى بيتك، فقد أصبحت ثلاثة عقود: عقد بيع، وعقدان للإجارة: الأول: التكسير، والثاني: الحمل إلى البيت. فأصبح إجارةً بدلاً من كونه عقد بيع؛ لأن الحكم للأغلب فهو بيع وفي حقيقته تغلبه الإجارة، ولذلك قالوا: تداخلت العقود، وحينئذٍ لا نفرق بين كونه مشروعاً أو ممنوعاً، فإذا تضمن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير