تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا الأسبوع، ويُمَكَّن منها، قال الولي: قبلت، فيلزم ولي المرأة أن يمكِّن الزوج من زوجته في الوقت الذي اتفقا عليه، فهذا الشرط يوافق مقصود العقد. كذلك أيضاً لو قال: زوجتُك بنتي بعشرة آلاف. قال: قبلت، بشرط أن تكون مطيعةً ولا تعصي لي أمراً إلا إذا عصيت الله عز وجل فلا طاعة لي، فإن كون الزوجة مطيعة لزوجها وتحت أمر زوجها هذا موافق لمقصود الشرع، أو أشترط ألاَّ تخرج من بيتها وألا تخرج من بيتي إلا بإذني؛ لأنها قد تخرج لبيع وشراء، وقد تخرج لمصلحة كالتعليم ونحوه؛ لكن قال: أنا أريدها أن تبقى في البيت، مصلحتي أن تبقى في البيت، كأن تكون في بيئة يخشى عليها الحرام أو يخشى عليها أن يؤذيها أحد، فقال: أشترط أن تبقى في البيت، في هذه الحالة هذا الشرط من حقه، وموافق لمقصود الشرع، فإذا نظر وليها أنه لا يُدْخِل الضرر على المرأة قبله، وإذا أدخل الضرر على المرأة قال له: ابحث عن زوجة، بنتي لا تصلح لك؛ لأني أرى أن بنتي لابد لها من الخروج. هذه الشروط التي تقع في النكاح لمصلحة العقد ومما يوافق مقتضى العقد معتبرةٌ، كأن يقول له: أشترط عليك أن تدفع المهر معجلاً. قال: قبلت. فهذا شرطٌ في عقد النكاح، ويجب عليه أن يبر بالشرط ويوفي له. وأما الشروط التي تخالف الشرع: كأن يدخل فساداً على العقد، كما لو قال: زوجتك بنتي بعشرة آلاف على أن تزوجني أختك بخمسة آلاف، فهذا نكاح شغار، وهذا يوجب بطلان العقد؛ لأنه ينبني عليه الشغار الذي حرمه الشرع وفي هذه الحالة يفسد العقد. لكن في بعض الأحيان يفسد الشرط ويبقى العقد كما لو قال: زوجتك بنتي بخمر، أي: على أن يعطيه خمراً صداقاً لها، فالخمر محرم، فيُلْغَى المسمى ويجب لها مهر المثل ويمضي العقد؛ لكن الشافعية يخالفون في هذا، ويقولون: إذا فسد المهر فسد العقد. الشاهد: أن الشروط في النكاح منها ما هو صحيح وشرعي ومنها ما هو غير شرعي، والغير الشرعي منه ما يوجب فساد العقد، ومنه ما لا يوجب فساد العقد، كالبيع سواءً بسواء، ويجب على المسلم أن يتقي الله، خاصةً إذا اشترطت عليه المرأة شروطاً وكان بوسعه أن يوفي بهذه الشروط؛ لأن الشرع أمر بالوفاء بالعقود. وبعض الأزواج ينتهك حدود الله ويغشى محارم الله بالتلاعب بهذه الشروط، فإن الله سائله، قال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً [الإسراء:34]، فإذا أخذ عليك العهد والميثاق وكتب بينك وبينه الكتاب على شرط، فإن الله سائلك عن هذا الشرط حفظت أو ضيعت، ولذلك قال الله تعالى: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:21]. وقد كان السلف إذا زوج الرجل ابنته يقول: أزوجكها على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أزوجها لك لتحملها أمانةً في عنقك على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الشرط والميثاق الذي وصفه الله بأنه غليظ يُسأل عنه الزوج، فكيف بالحقوق؟! إذا اشترطت عليه أن يعجل لها مهرها، أو اشترطت عليه أن يعطيها مؤخر الصداق، فتلاعب بمثل هذه الشروط فالله سائله، ومن خان وضيع فإن الله محاسبه، وقد يبتليه الله بنكبة في نفسه، من بلاء في جسده، وقد يبتليه الله بنكبة في دينه فيسلبه الخشوع في صلاته، وقد يحرمه إجابة الدعوة -والعياذ بالله- لأن الظلم ظلمات؛ ظلمات في الدنيا وظلمات في الآخرة، وقد تفسد على العبد دنياه وآخرته بسبب مظلمة، فإن المظلوم إذا اشتكى إلى الله فإن الله يقول: (وعزتي وجلالي لأنصرنكِ ولو بعد حين) فدعوة المظلوم مستجابة، والظلم في الحقوق والشروط شنيع خاصة ظلم النساء؛ لأن المرأة ضعيفة وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عظم حق المرأة وقال -كما في الصحيح-: (إني أحرِّج حق الضعيفين). وقد يغتنم الزوج ضعف المرأة وقد يرى أنها أصبحت الآن في بيته بعيدة عن والدها أو توفي والدها، فإن بعض الأزواج يفي بالشروط ما دام والدها حياً، ويخاف من والدها، فإذا توفي والدها لم يبالِ بأي شرط كان ويفعل ما شاء، ولا شك أنه إذا توفي والدها فإن ربها أعظم لها من والدها. فالله سبحانه وتعالى عظم أمر المرأة، قال صلى الله عليه وسلم: (إني أحرِّج -أي: أعظم الحرج والإثم- حق الضعيفين: المرأة، واليتيم) فجعل المرأة قرينةً لليتيم، وإذا تأملت المرأة وجدتها يتيمة؛ لأنها إذا دخلت بيت الزوجية جاءتها الضغوط النفسية وجاءتها الضغوط من ناحية أولادها، ولا تستطيع أن تحاسب زوجها ولا تستطيع أن تعترض على زوجها، وإذا جاءت تعترض تخاف على حقوقها، وتخاف أن يؤذيها في فراش أو مبيت، ولا تستطيع أن تبوح بكلمة واحدة خوفاً على أولادها، فحالها أشد من اليتيم، فإن اليتيم على الأقل يصرخ ويبدي ما في نفسه من الألم والحزن؛ ولكن المرأة لا تستطيع أن تبوح بما في نفسها. فإذا كان ولي المرأة قد أخذ العهد والشرط على الزوج أن يعطي شيئاً للمرأة أو يؤخر لها الصداق إلى وقت معين، أو يفي لها بأمور معينة في بيتها أو في أولادها فإن الواجب عليه أن يتقي الله وأن يعلم أن الله سبحانه وتعالى مطلع عليه ومحاسب له، والمظالم إذا كانت بين العبد وربه قد تُغْفَر للعبد في طرفة عين، فهذه امرأةٌ بغي زانية -والعياذ بالله- مرت على كلب فسقته وهو في شدة الظمأ فغفر الله ذنوبها؛ ولكن إذا كان الحق لمخلوق، فلا. حتى قال بعض العلماء في حديث القبرين: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، -قال في أحدهما-: أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة) لأن النميمة إفساد ما بين الناس، فالحق للمخلوق، فلما شفع صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرْفع عنه العذاب، انتبهوا! ما رُفِعَ العذاب إلا بقدر أن تيبس الجريدة، ما ملك أن يشفع برفع العذاب بالكلية؛ لأنه حقٌ لمخلوق، وهذا أمر يُعَظِّم حقوق المخلوقين. ولذلك ينبغي للإنسان أن يتقي الله، خاصةً إذا كان المخلوق من ذوي القرابة؛ لأن ظلم القريب ذي الرحم يشتمل على مظلمتين: الظلم، وقطيعة الرحم، والله تعالى يقول: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1]. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلمنا ويسلم منا، وأن يغفر لنا ويتوب علينا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير