تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أبيعك بيتي بعشرة آلاف على أن تبيعني سيارتك بخمسة آلاف، فإنه ربما بنى غبن هذه الصفقة على ربحه في تلك الصفقة، وإذا فسدت إحدى الصفقتين دخل الفساد إلى الصفقة الثانية، وحمل بعض العلماء نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة أن يقول له: بعتك داري بمائة ألف على أن تبيعني أرضك بعشرة آلاف، قالوا: فإن هذا من البيعتين في بيعة، فهي بيعة واحدة ولكنها تتضمن عقدين، وإذا تضمن العقد الواحد عقدين فإنه يوجب التداخل ويوجب الغرر ويوجب الشحناء، فإذا حصل النقص في إحدى البيعتين تضررت في البيعة الثانية، وعلى هذا لا يجوز؛ لكن لو قال له: أبيعك داري بسيارتك جاز؛ لأنها بيعة واحدة، فجعل السيارة قيمة للدار أو البيت والآخر جعل البيت قيمة للسيارة، فكلاهما عوض عن الآخر، وليس هذا من العقدين في عقد. فالشاهد: أن المحظور أن يدخل عقدين في عقد. ومن هنا بطلت الإجارة المنتهية بالتمليك، فإذا قال له: خذ السيارة سنة استئجاراً ثم تملكها بعد السنة، فمعنى ذلك أنه قد جمع بين العقدين في العقد الواحد، ثمّ هو يبيع شيئاً لا يُدرى كيف حاله بعد حلول الأجل؛ لأن البيع مؤجل إلى ما بعد السنة، وبعد السنة لا ندري حقيقة السيارة هل تَسْلَم أو تخرب فتتغير؟ أو يأتيها حادث يذهب بها؟ فهذا كله مما يوجب الغرر، فلو أن السيارة تلفت أثناء السنة هل نعتبره مستأجراً، أو نعتبره مالكاً؟ إن قلت: أعتبره مستأجراً بناءً على أنه وقت إجارة، عارضك بأنه استأجر من أجل أن يملك ومن أجل أن تكون له الرقبة، فحينئذٍ هو مستأجر من وجه مالك من وجه، وهذا شيء من التداخل، ولذلك كأن الشريعة تريد عقود البيوع عقود بيوع، وتريد عقود الإجارة عقود إجارة، ولا تريد التداخل بينهما، ولا تريد أن يحدث شيء من الغرر، ومن هنا حُرّم بيع المجهول؛ لأنه يوجب الغرر في الثمن أو المثمن أو كليهما، فأيَّاً ما كان لا يجوز تداخل العقدين في عقد واحد، ولا يقول له: بعتك هذه السيارة بمائة ألف على أن تؤجرني أرضك سنة بألف، لأن فيه بيعاً وإجارة. إذاً: لا يجوز أن يدخل العقدين في عقد واحد، خاصة إذا أوجب الغرر، أو كان فيه شيء من التلاعب وشيء من الغبن يُقصد به جبر كسر هذه الصفقة بالربح في الصفقة الثانية. قال: [وإجارةٍ]. وهكذا إذا جمع بين البيع والإجارة كما ذكرنا في عقود الإجارة التي تنتهي بالتمليك، سواءً قدّم البيع وأخر الإجارة، أو قدم الإجارة وأخر البيع، وسواءً فصل بينهما فجعل للبيع عقداً وللإجارة عقداً، فإنّ هذا كله مما يوجب الغرر. قال: [وصرفٍ]. كأن يأتي الشخص ومعه خمسمائة ريال إلى صاحب البقالة ويقول له: اصرفها، يقول: لا أصرفها لك حتى تشتري مني شيئاً، فهذا صرف بشرط البيع، فمثلاً إذا اشترى بخمسة ريالات فمعنى ذلك أنه صرف له ما بقي من الخمسمائة الذي هو أربُعمائةٍ وخمسةً وتسعون لقاء المنفعة الموجودة في الصفقة، فإنه إذا اشترى من البقالة لابد وأن يربح صاحب البقالة؛ لأنه ما من شيء معروض للبيع إلا وله فيه ربح معيّن، أو مثلاً وضع التمر كحيلة فيقول لك: اشترِ وأنا أصرف لك، فهذا التمر الذي قيمته خمسةُ ريالاتٍ في الحقيقة قيمته أربعة ريالات أو قيمته ثلاثة ريالات فهو سيربح ريالين أو ريالاً. قد يظهر ببادي الرأي أنه حينما صرف لك الأربُعمائة وخمسة وتسعين، بادلك أربعمائه وخمسة وتسعين بأربعمائة وخمسة وتسعين فلا شيء فيه؛ لأنّ الصرف وقع فيما زاد عن الخمسة ريالاتٍ التي فيها صفقة البيع، لكن في الحقيقة أنه صرف لك أربعمائة وخمسة وتسعين بأربعمائة وخمسة وتسعين بزيادة منفعة البيع فصار صرفاً بمنفعة، ولم يكن مثلاً بمثل يداً بيد، بل قال لك: لا أمد لك الأربعمائة والخمسة والتسعين حتى تشتري مني، وهذا الذي جعل بعض العلماء يقول: إنّ الإنسان قد يشيب عارضاه في الإسلام وهو يقع في الربا وهو لا يدري؛ لأن بيوع الربا الخفية التي تسمى الذرائع قلّ أن يفقهها أحد وقلّ أن ينتبه لها، والعلماء رحمهم الله نبّهوا عليها كثيراً في تداخل العقود، خاصة في الشروط التي تئول إلى الربا، كأن يقول له: أبيعك إيّاها مؤجلة بمائة ألف، فيقول: بشرط أن تقرضني على أن أشتريها منك معجلة بخمسة وتسعين، فهذا شرط يئول إلى الربا كأنه أعطاه خمسةً وتسعين معجلة في لقاء مائة ألف مؤجلة، وهكذا لو قال: أصرفها لك على أن تشتري مني بخمسة ريالات

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير