تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لنفسه)، قال بعض العلماء: وهذا يدل بالمفهوم على أنه لا يؤمن حتى يكره له ما يكرهه لنفسه، فالمسلم بطبيعته لا يرضى أن يغشه أحد في سلعة يشتريها أو عقار يشتريه، ولا يرضى أن يكتم عنه عيباً موجوداً في السلعة، بل ولا يحبه ويكره من يعامله بهذه المعاملة، وهذا هو الأصل؛ لأن النفوس جُبِلَت على حب النصح وكراهية ضده، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فقال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة -ثم قال في آخر الحديث-: ولأئمة المسلمين وعامتهم)، فمن النصح أن ينصح لعامة المسلمين، فإذا باع لهم شيئاً بيّن لهم ما في ذلك الشيء من العيوب. وأكده عليه الصلاة والسلام حينما بيّن أن بركة البيع مقرونة ببيان العيوب. والدليل على هذا: قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث حكيم بن حزم وغيره: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)، فالله يمحق البركة من المال ويمحق البركة من الخير الذي يجنيه البائع أو المشتري من السلعة التي يبيعها أو يدفع الثمن لقاءها إذا كتم عيباً في الثمن أو المثمن، فالنصوص واضحة في الدلالة على أنه ينبغي النصيحة، وثبت في حديث جرير رضي الله عنه وأرضاه: أنه اشترى فرساً فأعجبه، فلما ركبه وجده يستحق قيمةً أكثر من القيمة التي اشتراه بها، فرجع إلى البائع وزاده في الثمن، ثم ركب الفرس مرة ثانيةً فأعجبه فرجع ثانيةً وزاد في القيمة، ثم ركبه مرةً ثالثة فأعجبه فرجع إلى البائع مرةً ثالثة وزاده، فكأن البائع ظن أن بجرير بلاءً أو خبلاً أو خفة فقال له جرير: (بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، والنصح لكل مسلم)، فجعل هذا من النصيحة، وهو أنني لا أرضى أن أقتطع حقاً لأخي المسلم بدون وجه حق. وتوضيح ذلك: أن السلعة إذا كان ظاهرها السلامة والبائع يعلم أن فيها عيباً لو علمه المشتري لما اشتراها، أو يكون ظاهرها السلامة وفيها عيب لو كان المشتري على علم به لأنقص الثمن، كأن تكون القيمة المتفق عليها عشرين ألفاً، وهذا العيب يُنقص ثمن السلعة إلى خمسة عشر ألفاً أو إلى عشرة آلاف، بل قد ينقصها ثلاثة أرباع القيمة فلا تستحق إلا خمسة آلاف، فكونه في هذه الحالة يعلم بهذا العيب ويكون على إلمام بوجوده وتأثيره بالسلعة ويسكت على ذلك، لا شك أنه خلاف النصيحة. ثم المشكلة ليست هنا، بل إن سكوته يفضي إلى أكل المال بالباطل، وتوضيحه: أن السلعة بسبب هذا العيب تكون قيمتها عشرة آلاف، وبدون العيب تكون القيمة عشرين ألفاً، فمعنى ذلك أن العشرة آلاف الزائدة تؤكل بالباطل، وعلى هذا لا يجوز أن يعرض سلعةً يعلم فيها عيباً ويكتمه عن البائع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن قيام الدين على النصيحة، وأن من لوازم الإسلام أن ينصح المسلم لأخيه المسلم، فيحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه. ومن هنا اختلف العلماء رحمهم الله فيما يسمى ببيع البراءة، واختلفت صور بيع البراءة على هذا الأصل، فإن كان البائع قد برئ من عيب سماه للمشتري، فلا إشكال، وإن كان قد برئ من عيب لم يسمِه للمشتري فهذا فيه الإشكال، فأصبح بيع البراءة على حالتين: الحالة الأولى: أن يبرأ البائع من عيب يسميه للمشتري. الحالة الثانية: أن يبرأ البائع من العيوب مطلقاً ولا يسميها ولا يذكرها للمشتري. فأمّا إذا برئ البائع من عيب يسميه للمشتري فلا يخلو المشتري من حالتين: الحالة الأولى: أن يعلم العيب ويراه بالاطلاع، كأن يقول له مثلاً: بعتك سيارتي الفلانية، وأنت تعلم أن بها العيب الفلاني، فهذه براءة من عيب معلوم من الطرفين، وهذا يقع خاصة مع الأصدقاء والإخوان والأقارب فإنهم يعلمون عيوب السلع؛ لأن المداخلة وقرب بعضهم من بعض يوجب اطلاع بعضهم على عيوب السلع الموجودة عند البعض، فإذا برئ له من عيب سمّاه وعلمه المشتري فبالإجماع يكون البيع جائزاً. الحالة الثانية: أن يسمّي له العيب ولا يعلمه المشتري، ولا يعرف ما هو هذا العيب، كأن يقول له: بعتك هذه الساعة وفيها عيب كذا، ويكون المشتري جاهلاً بهذه العيوب وتخفى عليه، فالواجب على المشتري ألا يغرر بنفسه، وألا يقبل بالبراءة حتى يطلع أهل الخبرة ويرجع إليهم ويسألهم عن هذا العيب، فإن تقحم ورضي بذلك فقال بعض العلماء: إنه يلزم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير