تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

على التفرق بالأقوال لم يصح لأنهما لا يسميان بيعين؛ لأنه لا يقع البيع إلا بعد أن يفصل القول، أما قبل أن يفصل القول فليس هناك بيع؛ لأن البيع إيجاب وقبول، فقوله عليه الصلاة والسلام: (المتبايعان) وفي رواية: (البيّعان) أي: اللذان باعا وأوجبا وتمت الصفقة بينهما. وعلى هذا فالصحيح مذهب من سمينا أن خيار المجلس مشروع. وهذا النوع من الخيار شرعه الله عز وجل لطفاً بالعباد، وتيسيراً على الخلق، ورحمة بهذه الأمة. وقد وصف الله هذه الشريعة بأنها شريعة رحمة، ووجه ذلك: أنك ربما تستعجل وتقول: أبيعك بيتي بعشرة آلاف، ثم تراجع نفسك وتتبين أنه ليس من مصلحتك أن تبيع، وقد تشتري فيقول لك: بعتك السيارة بعشرة آلاف فتستعجل وتقول: قبلت، ثم تفكر قليلاً، وإذا به ليس من مصلحتك أن تتم هذه الصفقة، فالله عز وجل خفف على العباد، ولذلك يقولون: خيار المجلس شرع من أجل التروي ومن أجل دفع الضرر بالعجلة في الإيجاب والقبول. وعلى هذا: فإنه خيار مشروع، وفيه خير كثير للأمة؛ لأنه يدفع آفة الاستعجال، والآثار السيئة والنتائج السلبية، المترتبة على استعجال الإنسان. ...... العقود التي يثبت فيها خيار المجلس قال رحمه الله: [يثبت في البيع] أي: يثبت خيار المجلس في البيع، كما قلت له: بعتك سيارتي .. داري .. مزرعتي .. كتابي .. قلمي .. ساعتي .. ثوبي .. إلى آخره، فيثبت في جميع أنواع البيوع، سواء كان بيعاً مطلقاً أو كان بيع الصرف أو بيع المقايضة، فكله يثبت فيه الخيار. وقوله: [والصلح بمعناه]: المراد به الصلح بعوض؛ لأن الصلح يكون أحياناً بعوض، وأحياناً يكون بدون عوض، والصلح بعوض يكون في حكم البيع. مثال ذلك: لو أن رجلين اختصما إلى قاضٍ فقال أحدهما لصاحبه: تنازل عن حقك أعطك كذا، أو يقول: أرضيك عن الحق الذي لك بكذا، أو هذه ألف ريال وتنازل عن دعواك، أو عن حقك الذي ثبت لك، فلما اصطلحا على هذا المبلغ فالألف في مقابل الحق، فيقول حينئذ: قبلت، فهذا صلح بعوض وهو في كم البيع؛ لأن البيع تكون فيه الألف في مقابل سيارة أو مقابل أرض، والألف في الصلح وقعت في مقابل حق شخصي، فكما أن المال يكون في مقابل الحق العيني، يكون أيضاً في مقابل الحق الشخصي، فلو أنه قال له: تنازل عنه، فقال: رضيت، وطابت نفسه مقابل هذه المراضاة التي أعطاه إياها، ثم إنه قبل أن يفترق معه قال: رجعت، لا أريد أن أتنازل، بل أريد حقي الذي أقررت به، ولن أتنازل لقاء ألفين أو ثلاثة ... إلى آخره، فمن حقه أن يرجع ما لم يتفرقا، مثل البيع، فتبين أن الصلح بعوض كالبيع؛ لأن البيع معاوضة، والصلح معاوضة. قال رحمه الله: [والإجارة] وهي بيع المنافع، فلو أن رجلاً جاء إلى صاحب عمارة، وقال له: أريد شقةً تؤجرنيها سنة، أو نظر فيها فأعجبته، فقال: بكم تؤجرها، فقال: أؤجرها بعشرة آلاف، فقال: قبلت، فتم عقد الإجارة بينهما، فلو جلسا ثلاث ساعات أو أربع ساعات ثم قال: لا أريد، رجعت عن استئجار هذه الشقة، فهذا من حقه، ما دام أنهما في مجلس واحد، وليس لصاحب العمارة أن يلزمه. وكذلك العكس فلو أن صاحب العمارة رضي بعشرة آلاف ثم تفكر ونظر، فقال: لا أريد ورجع عن إجارتها، فذلك من حقه ما دام أنهما لم يفترقا عن مجلس العقد. قال رحمه الله: [والصرف] أي: لو كان عندك ألف دولار، وجئت إلى رجل وقلت له: اصرفها لي فقال: قبلت، وبينما أنتما جالسان في مجلس واحد، جئت تريد أن تخرج، فقال الصارف: رجعت، أو طالب الصرف، فإنه من حقه ما دام أنه قد رجع عن العقد قبل أن تفترقا، ويجب عليك أن ترد؛ لأن المتبايعين بالخيار ما لم يتفرقا، والصرف يسمى بيعاً، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد). فجعل صرف الذهب بالفضة بيعاً؛ لأنه قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة)، ثم قال (فإذا اختلفت هذه الأصناف)، أي: كذهب بفضة (فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد). ولقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد رضي الله عنه وأرضاه -وهو في الصحيحين-: (ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) وهذا في صرف الذهب بالفضة (الدنانير بالدراهم)، فقال عليه الصلاة والسلام عن الصرف: (ولا تبيعوا) فدل على أن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير