تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الصرف بيع، فلما قال عليه الصلاة والسلام: (البيّعان بالخيار) والصرف بيع دخل في هذا العموم. [والسلم]: وهو بيع، والسلم: تقديم الثمن وتأخير المثمن -وسيأتي إن شاء الله بيانه- كأن تأتي إلى صاحب المزرعة، وهو يحتاج إلى البذر، ولا تكون عنده سيولة لشراء البذر، فمن رحمة الله عز وجل بعباده أن رخص في أن تعطيه قيمة لشيء ستشتريه منه، تقول له: أشتري منك مائة صاع من الحب الفلاني -الذي سيزرعه في أرضه- إلى أجل فأعطيته المبلغ لقاء كيل معلوم أو وزن معلوم، إلى أجل معلوم، فأوجبتما، فقال: إذاً: أنا سآخذ هذه الألف، وإن شاء الله عند حصاد الحب أعطيك مائة صاع، وقبل أن تفترقا قلت له: ما أريد، أو قال لك: لا أريد، فالرجوع من حقه ومن حقك ما دام أنكما في مجلس واحد، وهو مجلس العقد، ولم تفترقا. وقوله رحمه الله: [دون سائر العقود]: أي: فلا يشمل العقود الأخرى التي لم يسمها المصنف رحمه الله، فإن خيار المجلس لا يثبت فيها؛ لأن بقية العقود اللازمة لا يصدق عليها وصف البيع، فالصلح يمكن أن يكون بيعاً؛ لأنه إذا كان بعوض فهو معاوضة، والإجارة في حكم البيع؛ لأنها بيع المنافع، وبالنسبة للسلم والصرف، فهما أصلاً بيع، فهذا وجه التخصيص، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البيّعان) فخرجت بقية العقود. فالخيار يختص بهذا النوع من العقود ولا يشمل العقود الأخرى، فلو اقترض منك مائة ألف، ثم قال: لقاء هذا المال رهنتك مزرعتي، أو داري، وقبل أن يفترقا، قال: رجعت عن الرهن، فلك أن تقول: ليس من حقك؛ فإن الرهن يعتبر لازماً، ويبقى إلى أن يسدد أو يباع ويسدد منه الحق الذي في ذمة المدين، وعلى هذا يختص الحكم بما سمى رحمه الله من العقود.

لمن يثبت خيار المجلس ومتى ينتهي قال رحمه الله: [ولكل من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا عرفاً بأبدانهما]: فللبائع الخيار، وللمشتري الخيار. وذكر هذا لأن الخيار في بعض الأحيان يكون للمشتري، ولا يكون للبائع، فلو اشتريت سيارة وظهر بها عيب، فإن الخيار لك وليس للبائع؛ لأن خيار العيب يكون للمشتري ولا يكون للبائع. وهناك خيارات للطرفين ومنها خيار المجلس، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: (البيّعان) وفي رواية: (المتبايعان) فهذا يشمل البائع ويشمل المشتري، فلو رجع البائع فذلك من حقه، ولو رجع المشتري فمن حقه أيضاً، ولا يختص خيار المجلس بأحدهما دون الآخر. إذاً: المسألة الأولى في هذه الجملة، أن خيار المجلس يشمل الطرفين، فهو حق ثابت للبائع، وحق ثابت للمشتري، والدليل على هذا قوله عليه الصلاة والسلام: (البيّعان) فلم يقل: (المشتري بالخيار)، ولم يقل: (البائع بالخيار)، وإنما قال: (المتبايعان) وفي رواية: (البيّعان). وقوله: (ما لم يتفرقا) هذه صريح قوله عليه الصلاة والسلام: (البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا) والتفرق: تفرق أقوال، وتفرق أبدان، وتفرق الأقوال لا إشكال فيه، لكن الإشكال في تفرق الأبدان، فإذا كان لكلا المتعاقدين حق في إمضاء البيع وفسخه ما داما مجتمعين في مكان واحد، فمتى ينتهي خيار المجلس؟ ينتهي خيار المجلس بالافتراق أو بالقطع من أحدهما، أي: بأن يتفقا على أن يقطع أحدهما الصفقة، كما سنبين إن شاء الله، ففي حالة الافتراق، لا بد من ضابط وهو متى نحكم بكونهما افترقا؟ إن كانا في غرفة، وقع الافتراق بخروج أحدهما من الغرفة. إن كانا في فضاء، كصحراء ونحوها وليس هناك حد معين، فيكون الافتراق أن يعطي أحدهما ظهره للآخر، فبمجرد أن ينصرف عنه ويعطيه ظهره كأنه ذاهب عنه، فقد فارقه؛ ولكن ما دام أنه مقابله ومعه، فإنه لم يفارقه. إذا كانت الغرفة كبيرة جداً، ولا يمكنهما أن يخرجا منها، كسفينة أو نحوها، فالافتراق العرفي أن يذهب أحدهما إلى ركن والآخر إلى ركن، فلو أنهما تعاقدا في ركن، ثم قام أحدهما إلى أمر في آخر السفينة، فإننا نفهم أنه قد فارق أخاه، وبالعرف يصدق عليه أنه قد فارقه. وبناء على هذا نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) ولم يجعل للتفرق ضابطاً معيناً لاختلاف الأعراف واختلاف الأماكن، ومن هنا يقول العلماء: تنطبق عليه قاعدة: (العادة مُحَكّمة)؛ لأن الشرع في بعض الأحيان يطلق، وما أطلقه الشرع يترك الخيار فيه إلى الناس فيرجعون فيه إلى ما تعارفوا عليه، وإلى ما انضبط

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير