تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما أن إسقاطي لا يلزمك، فإسقاطي حق لي، فيسري الإسقاط على ما أملكه، ولا يسري على ما تملكه، إلا إذا قلت: وأنا كذلك لا أريد. وعلى هذا لو قال لك: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، قلت: قبلت، فقال لك: لا خيار لي فأنا أريد البيع، فسكت، ثم بعد ساعة قلت: أريد أن أرجع عن بيعي، كان من حقك أن ترجع؛ لأن إسقاطه لا يتعدى إلى حقك في الخيار فيسقطه؛ ولأنه لو فتح هذا الباب لأسقط كل منهما حق الآخر أضر به. وعلى هذا: لا يملك الإسقاط إلا في حق نفسه دون حق الآخر. قال رحمه الله: [وإذا مضت مدته لزم البيع]: أي: إذا مضت مدة الخيار، فإنه في هذه الحالة يلزم البائع، ويلزم المشتري، ولا خيار لهما، وهذا على التأقيت بالزمان، ويكون العقد حينئذٍ لازماً للطرفين.

خيار الشرط ومدته قال المصنف رحمه الله: [الثاني: أن يشترطاه في العقد مدة معلومة ولو طويلة]: أي: النوع الثاني من الخيار، ويسمى بخيار الشرط. وهذا النوع من الخيار يخالف النوع الأول، فإن هذا النوع يمتد إلى ما بعد العقد وبعد الافتراق، ويكون معلقاً على شرط بعد العقد، ولكن خيار المجلس يكون أثناء مجلس العقد، فما دام أنهما في المجلس فهما بالخيار كما فصلنا. والأصل في خيار الشرط حديث حبان بن منقذ رضي الله عنه وأرضاه، وفيه: أنه كانت به لوثة، وفيه شيء أشبه بالارتجاج، والسبب في ذلك: أنه رضي الله عنه وأرضاه أصيب في يوم بدر بالمأمومة، وهي: نوع من الضربات تصل إلى أم الدماغ، وهذه أحياناً تحدث نوعاً من الارتجاج، فكانت عنده لوثة أثرت عليه في لسانه وأثرت عليه في عقله، فصار به نوع من الضعف في العقل، فهذا الصحابي اشتكاه أهله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يذهب إلى السوق ويشتري ويُغْبَن، وهذا فيه ضرر عليه، فرفع أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنهم يسألونه أن يحجر عليه، أو يمنعه من البيع، ويمنع الناس من التعامل معه، فقال: (لا أصبر)، أي: أنه لا يصبر عن البيع. فالنبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أن شكوى قرابته صحيحة، وأن استمراره على هذا الوجه فيه ضرر، ومن المعلوم أن من حكمة الشرع أنه في بعض الأحيان يمنع الشخص من التصرف في ماله لمصلحته هو، كالمجنون والصغير واليتيم، فاليتيم مثلاً: لو توفي أبوه وترك له مليوناً، فلو تركناه يتصرف فيها فإنه سيتضرر، والضرر يلحق نفسه، فنمنعه من التصرف في هذا المال مع أنه ملك له، خوفاً من الضرر عليه، وهذا ما يسميه العلماء: بالحجر لمصلحة المحجور. فهؤلاء جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكي يحجر عليه لمصلحته، فذكر هو أنه لا يصبر عن البيع، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء بحل وسط، فقال له (إذا ابتعت فقل: لا خلابة، ولي الخيار ثلاثاً). (إذا ابتعت) أي: اشتريت؛ لأن العرب تقول: ابتاع بمعنى اشترى؛ لأنه من الأضداد يقال: اشترى بمعنى باع، واشترى بمعنى أخذ، كما قال تعالى: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ [يوسف:20] أي: (باعوه بثمن بخس)، ويطلق الشراء بمعنى الأخذ، تقول: اشتريت داراً بمعنى: أنك عاوضت عليها وملكتها. (فقل: لا خلابة) أي: لا غبن ولا خديعة. (ولي الخيار ثلاثاً) أي: أني بالخيار ثلاثة أيام، إن شئت أمضيت الصفقة، وإن شئت ألغيتها، فخلال هذه الثلاثة الأيام، سيطّلع قرابته على فعله، فإن وجدوا تصرفه سليماً أمضوه، وإن وجدوه خطأً ردوه. فحقق صلى الله عليه وسلم المصلحة ودرأ المفسدة، وهذا من حكمته عليه الصلاة والسلام وسعة رحمته بالأمة، أن كان يوسع على الناس، فالرجل حينما يحجر عليه، فيه منقصة له وتضييق عليه، وإزراء عليه بين جماعته وقرابته، فجعله يبيع، لكن قال له: (إذا ابتعت فقل: لا خلابة، ولي الخيار ثلاثاً) فالذي اشتكاه قرابته دفعه بقوله: (ولي الخيار ثلاثاً). وبسبب الثقل في لسانه كان يقول: (لا خيابة) بدلاً من (لا خلابة). وقد كان الخلفاء يقضون بهذا القضاء، حتى زمن عثمان، لما كثر الناس لم يعرفوه؛ لأنه كثرت التجارة وجاء أناس غرباء عن المدينة لا يعرفون هذا الصحابي، ولا يعرفون قصته، وقد كانت المدينة صغيرة، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فكان معروفاً مكشوفاً لا إشكال معه؛ لكن لما جاء عهد عثمان وجاء التجار الجدد الذين لا يعرفونه، فكانوا يختصمون معه، يقولون: ليس لك من خيار، فإذا رفعهم إلى عثمان قضى عليهم أن له الخيار ثلاثاً،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير