تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الصفقة وإن شاءوا ألغوها.

خيار الغبن ومشروعيته قال رحمه الله: [الثالث: إذا غبن في المبيع غبناً يخرج عن العادة]: النوع الثالث من الخيار: إذا غبن في المبيع. فالمصنف رحمه الله قال في الخيار: وهو أقسام، وذكر خيار المجلس ثم خيار الشرط، وهذا القسم الثالث وهو خيار الغبن. والغبن لا يكون إلا بخديعة وهو نوع من أنواع الإضرار التي تقع في البيوعات، ومن دقة هذه الشريعة وشموليتها أنها استدركت أخطاء الناس فيما يمكن فيه الاستدراك، فهناك أخطاء تقع في البيع توجب فساد البيع ولا يمكن استدراكها ويفسد البيع بوجودها، فهناك أخطاء لا توجب الفساد ويمكن استدراكها بإعطاء من له الحق أن يختار الإمضاء أو عدم الإمضاء. ووجه إدخال الغبن في الخيار أنه لو باعه وغبنه فإن المشتري يشتري بحسن نية، وهو لا يدري بالخديعة، فإذا اشترى الدار على صفة يظنها من بيع المسلم للمسلم، أي: ليس فيها غبن ولا فيها غش ولا ختل؛ فإن معنى ذلك أنه سيعطي الحق على هذه البراءة، فإذا تبين أن هناك غشاً أو غبناً أو نجشاً قصد منه استثارته، فحينئذٍ يبقى الحق لهذا المسلم، إما أن يمضي الصفقة ويختار أجر الآخرة، والله سبحانه وتعالى يعوضه، وإما أن يطالب بحقه، فالشريعة تبين حكم الحق في مثل هذا، فكأنه يخير بين الأمرين، بين أن يمضي الصفقة وبين أن يطالب بحقه، أو يفسخ البيع، فهذه ثلاثة خيارات: تارة يقول: سامحه الله .. قد غفرت لأخي .. وهذا لا شك أنه أعظم أجراً وأعظم ثواباً للمسلم. وتارةً يقول: أنا أريد هذه الصفقة؛ ولكن هذا النقص الذي غبنت به وهذا الظلم الذي ظلمني به أريد حقه وقسطه. وتارةً يقول: لا أريد أن أشتري هذه الصفقة بهذا النقص، أو يرى أنه لما خدعه وختله أنه لا يتعامل معه، فيكره التعامل معه ويقول: لا أريد الصفقة، وأريد مالي. مثال: باعه سيارة مغشوشة، فإذا اكتشف هذا الغش فمن حقه أن يمضي الصفقة ويختار أجر الآخرة، ومن حقه أن يلغي الصفقة كاملة ويطالب بحقه كاملاً، ومن حقه أن يطالب بالأرش ومقدار النقص الذي يستوجبه هذا العيب. كذلك أيضاً إذا غبنه فأدخل رجلاً يزيد في ثمن هذه السلعة وهو يظن أن هذا منافس شريف وأنه يرغب في السلعة، فنظر إليه فإذا به رجل من أهل السوق وأهل المعرفة والخبرة، فقال: لا يمكن أن هذا الرجل الذي له خبرة ومعرفة يزيد في هذه السلعة إلا وهي تستحق، فزاد فيها، ثم تبين أن هذا الرجل قد غشه وكذبه وأن البائع قد أضر به بغبنه على هذا الوجه، فهنا نقول: أنت بالخيار في هذا البيع؛ لأنه ليس على ظاهره من بيع السلامة، وبيع المسلم لأخيه المسلم الذي لا غش فيه ولا خديعة ولا غبن، وإنما هو من البيوعات التي لا يحبها الله ولا يرضاها، فلا بد وأن يضمن حق المبيع. فدخلت الشريعة بين البائع والمشتري للفصل في هذه المظلمة ورد الحق للمشتري، وهنا يكون الخيار للمشتري؛ ولكن في خيار الشرط قد يكون للمشتري وقد يكون للبائع وقد يكون لهما معاً كما بينا، وفي خيار المجلس يكون للطرفين، فالخيارات تختلف بحسب اختلاف أنواعها. فقال رحمه الله: [الثالث: إذا غبن] أي: النوع الثالث أو القسم الثالث من أقسام الخيار: الغبن. ...... الغبن الذي يثبت به الخيار قال رحمه الله: [إذا غبن في المبيع غبناً يخرج عن العادة]: كما إذا جئت إلى بائع الطعام فقال له: بكم هذا الحب .. بكم الكيلو .. بكم الصاع، قال: الصاع من هذا بثلاثين، فقلت: أريد صاعاً، فأنت حينما دفعت الثلاثين دفعتها على أن الصاع يباع في السوق على المعروف والعادة بثلاثين، فلم تكاسر ولم تساوم؛ لأنك تظن أن السوق مستقر على هذا الثمن. فلما أخذت الصاع بثلاثين تبين أنه يباع بعشرة، فقد ظلمت بعشرين، فمن حقك في هذه الحالة أن تطالب بما ظلمك به ومن حقك أن ترد الصفقة، ولذلك يقول العلماء: إن الغبن يوجب الخيار بوجود الخديعة من البائع للمشتري، فسكوت المشتري عن المكاسرة والمساومة يدل دلالة واضحة على أنه ما رضي بهذه القيمة إلا لأن السوق مستقر عليها، فإذا تبين أن السوق مستقر على ما دونها كان من حقه أن يطالب. يبقى النظر في مسألة: وهي أن هذا النوع من الخيار يفتقر إلى إثبات أن المشتري ظلم، وهذا يتوقف على أهل الخبرة، فإن باعه طعاماً رجعنا إلى سوق الطعام وسألنا اثنين من أهل الخبرة على أنها شهادة، وبعض العلماء يقول: واحد من أهل الخبرة يكفي ثم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير