تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العرف شاهداً لقول البائع، لكن هذا الضابط الذي ذكروه قد يقوى في مسائل القضاء، وقد يضعف هنا؛ لأنه غالباً ما يكون التبايع بين الطرفين فيه شيء من الرضا، فمع المكاسرة يخرجان عن العرف، وكثيراً ما يخرج البائع والمشتري عن العرف بسبب المزايدة والمكاسرة، فقد يشهد العرف بخمسة عشر، لكن المشتري كاسر إلى عشرة، فحينئذٍ لو اعتبرنا العرف شاهداً على هذا الوجه لكان مشكلاً. وإنما قالوا: القول قول المشتري؛ لأن البائع يدعي عليه غرماً، والغارم دائماً يكون مدعىً عليه؛ لأنه متهم، فإن شئت أن تخرجها على أن اليقين عشرة آلاف والزائد محل شك، فهذا وجه لكي تجعل المشتري مدعى عليه. وإن شئت فخرجها على أن المشتري غارم؛ لأنه مطالب بالزيادة، والقول قول الغارم؛ لأن الأصل براءته من المطالبة. وإن شئت أن تجعلها من جهة كون الأصل واليقين بالعشرة والزائد فيه شك فيلغى الشك ويبقى على اليقين، فإنه وجه صحيح ....... معنى انفساخ العقد ظاهراً وباطناً قال رحمه الله: [وإذا فسخ العقد انفسخ ظاهراً وباطناً]: أي: لو تحالفا وانفسخ العقد، هل ينفسخ ظاهراً وباطناً، أو ينفسخ ظاهراً لا باطناً؟ نحتاج إلى مقدمة لكي نفهم به قول العلماء رحمهم الله (الظاهر والباطن). الخلاف الذي وقع بين البائع والمشتري يقع أمام القضاء، أو يقع في الفصل في الخصومة، وإذا وقعت الخصومة بين البائع والمشتري، فإنه إذا قضي بينهما فإنه يقضى على حسب الظاهر، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقطع له قطعةً من النار) أي: أن حكمي على الظاهر لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً. وبناءً على ذلك: فإن الشهود إذا شهدوا عند القاضي أن هذه الأرض لفلان، وكانت شهادتهم شهادة زور، وقضى القاضي أن الأرض لفلان بهذه الشهادة المزورة التي لم يعلم القاضي بتزويرها، فإنه يحكم في الظاهر أنها لفلان، ولكن في الباطن ليست له. وهكذا لو أن رجلاً قال لامرأته: أنتِ طالق، كان جالساً معها وكانت مقيدة، ثم قال لها: أنت طالق، يقصد أنها طالق من الحبل، هذا الذي في قرارة قلبه ونيته، فقالت له: أنت قلت: أنا طالق، فإذاً أطلق عليك، فرفعته إلى القضاء، فقال القاضي: هل قلت: أنت طالق؟ قال: نعم أنا قلت: أنت طالق وقصدت من حبل، فإن القاضي يقضي عليه بأنها طالق؛ لأنه لو فتح الباب لكل شخص يطلق امرأته يقول: أنا أقصد أنها طالق من حبل لوقع الفساد، فعلينا الظاهر والله يتولى السرائر، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس). لكن لو أن المرأة صدقته فيما بينهما وهما جالسان أنه قال: أنت طالق أي: من حبل، فلها أن تصدق على أنها طالق من حبل، لكن لو رفع إلى القضاء فالقاضي لا يحكم إلا على الظاهر: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس، وأن أكِلَ سرائرهم إلى الله). وهكذا المدهوش، لو أن رجلاً من شدة الفرح جاءته امرأته بخبر فقال لها: أنت طالق، ثم قال: والله ما قصدت ولم أكن أعلم من شدة الفرح؛ لأنه في بعض الأحيان قد يسبق لسانه بشيء من قوة الصدمة فأراد أن يقول لها: أنت مباركة، أنت فيك خير، فقال لها: أنت طالق، فقال بعض العلماء: إن المدهوش لا ينفذ طلاقه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أبي هريرة: (لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم من رجل ضلت ناقته وعليها طعامه وشرابه، فلما يئس منها استظل بشجرة فنام تحتها، ثم استيقظ فإذا هي قائمة على رأسه، فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) فقوله: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) هذه كلمة كفر لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أخطأ من شدة الفرح) أي: بسببه فلو أن المدهوش أراد -مثلاً- أن يقول لامرأته: أنت طالعة، فقال: أنت طالقة، سبق لسانه، فكل هذه أمور ترجع إلى الظواهر، وهناك تفصيل: فالمرأة لو صدقت الرجل ووثقت به، فحينئذٍ لا إشكال، لكن لو رفعته إلى القضاء وسأله القاضي: هل قلت: أنت طالق؟ قال: نعم قلت: أنت طالق، لكني لم أقصد الطلاق، فالقاضي يمضي عليه الطلاق على الظاهر، ثم تبقى في حقيقة الأمر زوجته فيما بينه وبين الله، ولذلك يقولون: ينفذ الطلاق قضاءً ولا ينفذ ديانةً، أي: هي زوجته فيما بينه وبين الله، ولكنها في الظاهر مطلقة عليه،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير