تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا اختلفا في عين المبيع ورفضا تسليم ما في أيديهما والثمن عين قال رحمه الله: [وإن أبى كل منهما تسليم ما بيده حتى يقبض العوض، والثمن عين، نصب عدل يقبض منهما ويسلم المبيع ثم الثمن]: قوله: (وإن أبى كل منهما تسليم ما بيده) أي: إذا اختلفا في عين المبيع تحالفا، وحكمنا بفسخ البيع، وبقي وجوب رد الثمن والمثمن، وإذا حكمت بوجوب رد الثمن والمثمن، لا يخلو المتعاقدان من حالتين: الحالة الأولى: أن يتفقا وتكون مسألة رد الثمن والمثمن سهلة ويسيرة ويتراضيان ويرد كل منهما للآخر، بأن يثق كل منهما بالآخر، يقول: يا فلان أعطني مالي، وقال الآخر: إذاً أعطني ساعتي أو قلمي ... إلخ، فيترادان، فلا إشكال في هذا. لكن المشكلة في بعض الأشياء المبيعة التي يقع عليها التنازع، ولا يثق أحد الطرفين بالآخر، وقد يثق لكن يخشى جريان الحكم بالفلس، فلا يتصور الطالب أن مسائل الفقه تقف عند الريال والريالين، بل قد تصل إلى ملايين، فالشريعة كما أنها تحتاط للملايين تحتاط للريال الواحد. فهي تريد أن تعطي كل ذي حق حقه، فلو جئنا إلى مسألة رد الثمن والمثمن، فالثمن قد يكون مبالغ طائلة، قد يتفقان على بيع أرض في مخطط، قيمتها مليون ريال، فيستلم البائع المليون، ثم ينقله إلى أرض أخرى، ويدعي أنه باعه أرضاً أخرى، فإذاً المبلغ ليس باليسير. ففي هذه الحالة، لو تأخرت يوماً واحداً ربما حكم بالحجر على صاحبك الذي تتعامل معه، فتكون أسوة الغرماء. فالأمر ليس بالسهل، في مسألة رد الحقوق، وخاصة في القديم لما كان الناس يتشددون في الأحكام، وكانوا يسألون عن كل مسألة صغيرة وكبيرة في المعاملات، يقف الأمر على رد الحقوق لأصحابها في الأعيان، وفي الذمم. ونحن سبق وأن ذكرنا أن المبيعات إما أن تكون عيناً، وإما أن تكون في الذمة، وقلنا: العين أن تقول: بعتك هذا القلم، بهذه المائة، فهذا باع عيناً بعين. فإذا قلت: بعتك هذا القلم بمائة، صار البيع عيناً بذمة. وإذا قال له: بقلم من نوع كذا، فمعناه أنه موصوف في الذمة، والتزم في ذمته أن يدفع قلماً موصوفاً بهذه الصفات. وهكذا لو قال: بعتك هذا القلم بعشرة، فإذا قال: بعشرة، فهو موصوف في الذمة، لكن إذا قال: بهذه العشرة صارت معينة. أي أنه إذا قال لك: بعتك هذا القلم بهذه العشرة، فمعناه أن الحق تعلق بالعشرة بعينها. وانظر إلى عدل الشريعة، ودقة الفقهاء رحمهم الله، حتى في الثمن الذي دفعه، إذا كان عيناً لا بد أن ترد نفس العشرة، إن كانت برأسها برأسها وإن كانت كما يقول العلماء: (تفاريق) رد (التفاريق) وإن كانت جملة ردها جملة، فهنا -مثلاً- لو أنه قال له: بعتك، واختلفا في عين المبيع، فأردنا أن نعطي البائع المثمن، ونعطي المشتري الثمن، فلا يخلو المتعاقدان من حالتين: الحالة الأولى: أن يتفقا ويرد كل منهما للآخر وقلنا: لا إشكال في هذه المسألة وهي أن يرد لكل منهما حقه. الحالة الثانية: أن يصر أحدهم فيقول: ادفع أولاً، فيقول الآخر: بل أنت ادفع لي أولاً، أو قال: أنا لا أعطيه ولا أثق في فلان بعد أن دلس عليّ في بيعي، فيتهمه بالخيانة، والآخر أيضاً يتهم المشتري بالخيانة فلا يثق كل منهما بالآخر. فمن دقة الفقهاء أن ذكروا هذه المسألة، فقالوا: ينصب عدل، وتنصيب العدل أن يختار القاضي أو يختاران رجلاً عدلاً؛ فهذا الرجل يقف بينهما وينصف كلاً منهما من الآخر، فيأخذ من البائع ويأخذ من المشتري. لكن هنا مسألة مهمة وهي مسألة الثمن، قال المصنف: [والثمن عين] أي: فهناك فرق بين كون الثمن عيناً وبين كون الثمن موصوفاً في الذمة. فمثال كون الثمن عيناً: قوله: بهذه المائة، بهذه العشرة، بهذه الألف، بهذه الخمسمائة، فالثمن عيناً هنا عين، فيجب رده بعينه. فحينئذٍ عندنا مسألة دقيقة وهي مسألة الاستحقاق في العين والذمة، وهي مسألة تحتاج إلى مدخل لكي يتصور طالب العلم، لماذا نص المصنف على مسألة (عين)؛ لأن هذه الكلمة من ورائها مغزى فقهي، وهو أن الحقوق التي في الذمة أخف من الحقوق المعينة، بدليل أنك لو جئت بمثال للقلم أو ببديل عن القلم في الحقوق المعينة، لم يجز حتى تعلم القلم بعينه، لو قال: أبيعك هذا القلم، وتفاسختما وجب عليك أن ترد عين القلم، ولا ترد مثله. ولو باعك كتاباً بعينه وجب رد عين الكتاب. وقد ذكرنا هذه المسألة حينما ذكرنا صور البيع: العين بالعين،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير