بل عن ابن مسعود قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هلك المتنطعون ". قالها ثلاثا). رواه مسلم
فها هو رسولنا عليه الصلاة والسلام ينهانا عن التنطع والتكلف في الأمور والغلو فيها لأن نهايتها إلى الهلاك بإجهاد نفس وإضلال غيرها وصرفها عن أصل الدين أحيانا فهؤلاء الذين قالوا هذا القول تراهم – أو لنقل معظمهم كي لا نظلم – يتعمقون في إخراج إعجازات علمية ويبتدعون أشياء جديدة ويتفننون في ذلك وينسون أصل نزول القرآن ألا وهو التدبر وتفهم المعاني {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (سورة ص: آية 29)
وكأن هؤلاء يظنون أنهم يصبحون مثل الصحابة بتكلفهم وغلوهم
وقد جاء بالنص صريحا في سورة ص: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ {86} إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ {87} وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ {88})
وفي تفسير القرطبي: (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ: أَيْ لَا أَتَكَلَّف وَلَا أَتَخَرَّصُ مَا لَمْ أُومَرْ بِهِ)
وقومنا في التكلف والتعسف يتفننون!!
فالله المستعان على قومنا ماذا يصنعون
تحسبون الأمر تورّعا وما هو بذلك
وإنه والله لأمر عظيم لو أنكم تعلمون
وقد يؤدي بكم إلى أن تجعلوا للكفار عليكم حجة
وأنتم تريدون الخير ولكنكم لا تصيبونه
فاتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه
سادسا: -
الإعجازات الشارحة لآيات الله:
هؤلاء الذين أرادوا أن يربطوا الآية القرآنية بحدث دنيوي أو أرادوا شرح الآية وإخراج إعجاز معجز منها ثم لم يحالفهم الحظ في موافقة هدي الإسلام فهؤلاء نسأل الله أن يهديهم
فكأنما يريدون إخراج الإعجاز رغما عنه
وهذا يحيد بالمسلمين عن مقصد الآيات القرآنية حيث بينا سابقا {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} الإسراء106
وليس للبحث عن زوايا متعددة ومختفية ثم ترك أصل النزول وسببه وهو التدبر والفهم ثم أخذ العبرة والعظة
فهل رأينا أحدا يأخذ الفروع ويترك الأصول! .. فما بالنا بمن أخذ بل قل اصطنع أطرافا للفروع ثم ترك الأصل الذي بنيت عليه فأنّى له أن يكون على حق؟
ومثل ذلك ما رأيته ممن أراد أن يبين الإعجاز في آية: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} التوبة109
فعرج عن مقصد الآية إلى أنواع أساسات البناء ومواد البناء وزوايا البناء ونوع التربة المستخدمة للبناء .. ؟؟!!!!
فإنا لله وإنا إليه راجعون .. حولنا مقصد الآية إلى تصميم هندسي
قال ابن كثير في تفسيره: ((يَقُول تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّه وَرِضْوَان وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَبْل فَإِنَّمَا يَبْنِي هَؤُلَاءِ بُنْيَانهمْ عَلَى شَفَا جُرُف هَارٍ أَيْ طَرَف حَفِيرَة مُثَالَة " فِي نَار جَهَنَّم وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " أَيْ لَا يُصْلِح عَمَل الْمُفْسِدِينَ))
وهؤلاء جعلوا الآية خارطة مفاهيمية لبناء بيت بل قل لبناء قصر من كثرة ما دخلوا في تفاصيل البناء وما يلزم باني البيت ونوع المواد والتربة ونوع التأسيس وما يلزمه
تحت مسمى (الإعجاز الهندسي)
ثم والله المستعان نسوا العبرة من الآية ومقصدها
فقد صدق الحبيب حين قال: " إن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية "
وحين لا يجاوز التراقي فهذا يعني عدم الفهم وقومنا اليوم يخترعون طرقا لتجاهل الفهم والتدبر
وكل يوم تراهم يعرجون عن أصل التشريع أكثر فأكثر إلا من رحم الله منهم
فإنا لله وإنا إليه راجعون
ونسأل الله أن يأجرنا في مصيبتنا وأن يخلف لنا خيرا منها
سابعا: -
الإعجاز العددي في القرآن الكريم:
وأما هذه فسأضرب المثال كي يحكم أصحاب العقول بأنفسهم
((جمع جاهل –أقصد عالم- الرقم 9 مع الرقم 2
¥