تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويدل على أن أعظم الأسباب هو الجهل بالله وبدينه وبالحقائق التي يجب التمسك والأخذ بها - هو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» [رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين]، مع آيات في المعنى وأحاديث كلها تدل على خبث الجهل وخبث عواقبه ونهايته وما يترتب عليه بل القرآن الكريم مملوء بالتنديد بالجهل وأهله والتحذير منه كما قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [سورة الأنعام: 111]، وقال سبحانه: {وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [سورة المائدة: 103]، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على ذم الجهل بالله، والجهل بدينه، والجهل بالعدو وبما يجب إعداده من الأهبة والاتحاد والتعاون، وعن الجهل نشأت هذه الأشياء التي سبقت من فرقة واختلاف، وإقبال على الشهوات، وإضاعة لما أوجب الله، وعدم إيثار الآخرة، وعدم الانتساب إليها بصدق، بل لا يهم الأكثرية إلا هذه العاجلة كما جاء في الآية الكريمة من كتاب الله {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ?20? وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} [سورة القيامة: 20 - 21]، وكما في قوله جل وعلا: {فَأَمَّا مَن طَغَى? ?37? وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ?38? فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى?} [سورة النازعات: 37 - 39]، إلخ.

وعن الجهل أيضا نشأت هذه الكوارث وهذه العواقب الرديئة التي هي حب الدنيا وكراهية الموت، والإقبال على الشهوات، وإضاعة الواجبات والصلوات، وإضاعة الإعداد للعدو من كل الوجوه إلا ما شاء الله من ذلك. ومن ذلك التفرق والاختلاف وعدم الاتحاد والتعاون إلى غير ذلك.

فقوله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]، يدل على أن من علامات الخير، والسعادة للفرد، والشعب والدولة أن يتفقهوا في الدين، فإن الإقبال على التفقه في الدين والتعلم والتبصر بما يجب عليهم في العاجل والآجل من أوجب الواجبات، وفي ذلك علامة على أن الله أراد بهم خيرا.

ومن ذلك - مع إعداد للعدو - تأدية فرائض الله والانتهاء عن محارم الله والوقوف عند حدود الله.

ومن ذلك أيضا أن يوجد في بلاد المسلمين من الصناعة والإعداد والقوة ما يستطيع كل فرد بكل وسيلة، حتى لا تكون حاجاته عند عدوه، وحتى يعلم عدوه ما لديه من الإعداد والاستعداد فيرهبه وينصفه ويعطيه حقوقه ويقف عند حده وحتى يحصل إعداد الأبدان وعدم الرفاهية التي تضعف القوى والقلوب عن مقاتلة العدو وحتى تقوى على الجهاد.

والتفقه في الدين أيضا يعطي المعلومات الكافية عن الآخرة وعن الجنة ونعيمها وقصورها وما فيها من خير عظيم وعن النار وعذابها وأنكالها وأنواع ما فيها من العذاب فيكسب القلوب نشاطا في طلب الآخرة وزهدا في الدنيا وإعدادا للأعداء وحرصا على الجهاد في سبيل الله والاستشهاد في سبيله سبحانه وتعالى.

كما أن التفقه في الدين يعطي الشعب والوالي النشاط الكامل في كل ما يحبه الله ويرضاه وفي البعد عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى ويعطي القلوب الرغبة الكاملة في الاتحاد مع بقية المسلمين والتعاون معهم ضد العدو وفي إقامة أمر الله وتحكيم شريعته والوقوف عند حدوده، ويحصل بذلك أيضا التعاون على كل ما يجب لله ولعباده، فإن العلم النافع يدعو إلى العمل والتكاتف والتناصح والتعاون على الخير، ويعطيهم أيضا الحرص الكامل على أداء الفرائض والبعد عن المحارم والشوق إلى الآخرة وعدم كراهية الموت في سبيل الحق وفي الجهاد في سبيل الله وفي قتال العدو وأخذ الحقوق منه.

وبالعلم تكون النفوس والأموال رخيصة في جلب رضا الله، وفي سبيل إعلاء كلمة الله، وفي سبيل إنقاذ المسلمين من سيطرة عدوهم وتخليصهم مما أصابهم من أنواع البلاء، وفي سبيل استنقاذ المستضعفين من أيدي أعدائهم، وفي سبيل حفظ كيان المسلمين وحوزتهم، وأن لا تنتقص بلادهم وحقوقهم. فإذا كان الجهل فقدت هذه الأشياء وهذه الحقوق وهذه الخيرات وهذه المعلومات وهذا الإيثار وهذا الإرخاص للنفوس والأموال في سبيل الحق، وقد قال الشاعر:

ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير