تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، والسلاح قليل والمركوب قليل والمشهور أن الإبل كانت سبعين وكانوا يتعاقبونها وكان السلاح قليلا وليس معهم من الخيل في المشهور سوى فرسين، وكان جيش الكفار حوالي الألف، وعندهم القوة العظمية والسلاح الكثير، ولما أراد الله هزيمتهم هزمهم ولم تنفعهم قوتهم ولا جنودهم، وهزم الله الألف وما عندهم من القوة العظيمة بالثلاثمائة وبضعة عشر وما عندهم من القوة الضعيفة، ولكن بتيسير الله ونصره وتأييده غلبوا ونصروا وأسروا من الكفار سبعين وقتلوا سبعين وهزم الباقون لا يلوي أحد على أحد وكل ذلك من آيات الله ونصره.

وفي يوم الأحزاب غزا الكفار المدينة بعشرة آلاف مقاتل من أصناف العرب من قريش وغيرهم وحاصروا المدينة واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الخندق، وذلك من أسباب النصر الحسي، ومكثوا مدة وهم يحاصرون المدينة، ثم أزالهم الله بغير قتال، فأنزل في قلوبهم الرعب وسلط عليهم الرياح وجنودا من عنده حتى لم يقر لهم قرار وانصرفوا خائبين إلى بلادهم، وكل هذا من نصره وتأييده سبحانه وتعالى، ثم خذلوا فلم يغزوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، بل غزاهم هو يوم الحديبية وجرى الصلح المعروف، ثم غزاهم في السنة الثامنة في رمضان وفتح الله عليه مكة، ثم دخل الناس أفواجا في دين الله بعد ذلك.

فالمقصود أن النصر بيد الله سبحانه وتعالى، وهو الناصر لعباده، ولكنه سبحانه أمر بالأسباب، وأعظم الأسباب طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن طاعة الله ورسوله التعلم والتفقه في الدين حتى تعرف حكم الله وشريعته لنفسك، وفي نفسك، وفي غيرك، وفي جهاد عدوك، وحتى تعد العدة لعدوك، وحتى تكف عن محارم الله، وحتى تؤدي فرائض الله، وحتى تقف عند حدود الله، وحتى تتعاون مع إخوانك المسلمين، وحتى تقدم الغالي والنفيس من نفسك ومالك في سبيل الله عز وجل وفي سبيل نصر دين الله وإعلاء كلمته لا في سبيل الوطن الفلاني ولا القومية الفلانية.

فهذا هو الطريق، وهذا هو السبيل للنصر على الأعداء بالتعليم الشرعي والتفقه في دين الله من الولاة والرعايا والكبير والصغير، ثم العمل بمقتضى ذلك وترك ما نحن عليه مما حرم الله، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [سورة الرعد: 11]، فمن أراد من الله النصر والتأييد وإعلاء الكلمة فعليه بتغيير ما هو عليه من المعاصي والسيئات المخالفة لأمر الله، وربك يقول جل وعلا: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [سورة النور: 55]، ما قال الله: وعد الله الذين ينتسبون إلى قريش أو العرب أو الذين يبنون القصور ويستخرجون البترول ... إلخ، بل علق الحكم بالإيمان الصادق والعمل الصالح سواء كانوا عربا أو عجما.

هذه هي أسباب النصر والاستخلاف في الأرض لا العروبة ولا غير العروبة، ولكنه إيمان صادق بالله ورسوله وعمل صالح.

هذا هو السبب وهذا هو الشرط وهذا هو المحور الذي عليه المدار، فمن استقام عليه فله التمكين والاستخلاف في الأرض والنصر على الأعداء، ومن تخلف عن ذلك لم يضمن له النصر ولا السلامة ولا العز، بل قد ينصر كافر على كافر، وقد ينصر مجرم على مجرم وقد يعان منافق على منافق، ولكن النصر المضمون الذي وعد الله به عباده المؤمنين لهم على عدوهم إنما يحصل بالشروط التي بينها سبحانه وبالصفات التي أوضحها جل وعلا وهو الإيمان الصادق والعمل الصالح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير