ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 02:30 ص]ـ
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فأوصيكم ـ أيّها النّاس ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فاتّقوا الله رحمكم الله، فالتّقوى خير ذخرٍ يُدّخر، واتقوا الفواحشَ ما بطن منها وما ظهَر، ولا تغرّنّكم الحياة الدنيا، ولا يغرّنّكم بالله الغرور.
عباد الله، اشكروا الله جل وعلا أن بلّغكم هذا اليوم العظيم وهذا الموسم الكريم، واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن يومكم هذا يوم مبارك، رفع الله قدره، وأعلى ذكره، وسماه يوم الحج الأكبر، وجعله عيدًا للمسلمين حجاجًا ومقيمين، فيه ينتظم عقد الحجيج على صعيد منى بعد أن وقفوا بعرفة وباتوا بمزدلفة، في هذا اليوم المبارك يتقرب المسلمون إلى ربهم بذبح ضحاياهم اتباعًا لسنة الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام. فهنيئًا للمسلمين في هذا اليوم المبارك، هنيئًا لهم بحلول هذا العيد السعيد.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن السعادة في العيد لا تكمن في المظاهر والشكليات، وإنما تتجسد في المعنويات وعمل الصالحات، واذكروا نعمة الله عليكم مما تنعمون به من حلول العيد المبارك في أمن وأمان، وصحة وخير وسلام وإيمان.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله، يقعُ هذا العيدُ شكرًا لله تعالى على العبادات الواقعة في شهر ذي الحجة، وأعظمُها إقامة وظيفةِ الحجّ، فكانت مشروعيةُ العيد تكملةً لما اتّصل، وشكرًا لله تعالى على نعمِه التي أنعمَ الله بها على عباده، وتكريمٌ من الله لجميع المسلمين بأن جعلَ لهم عقبَ الأعمال الصالحة وعقبَ يومِ عرفَة عيدَ الأضحى. إظهارُ الفرح والسرور في العيدين مندوبٌ، ومن شعائر هذا الدين الحنيف.
أيها المؤمنون الموحدون، لمن تظنون هذا العيد؟ أهو لمن لبس الحلل القشيبة وهو عارٍ من لباس التقوى ولباس التقوى ذلك خير؟! أهو لمن إذا نظر الله إلى قلبه وجده مليئًا بالحقد والحسد والغيبة والنميمة والظلم والفسق والخيانة والتطاول على الناس وإيذائهم، مليئًا بالمشاحنات وقطيعة الأرحام وعقوق الآباء والأمهات؟! أهو لمن ضيع حظه من الصلوات المكتوبات وعصى رب الأرض والسماوات؟! كلا وألف كلا، ليس العيد السعيد لهذا، العيد السعيد لمن خاف يومًا تقشعر فيه الأبدان، العيد لمن استعد للعرض على الرب سبحانه وتعالى، العيد لمن اتقى الله في السر والعلن، العيد لمن وصل ما بينه وبين الله وما بينه وبين العباد، العيد لمن عمر بيته بالقرآن وأخرج آلات اللهو ومزامير الشيطان، العيد لمن زُحزح عن النار والحر الشديد والقعر البعيد التي طعام أهلها الزقوم وشرابهم الصديد ولباسهم القطران والحديد، وفاز بجنة لا يفنى نعيمها ولا يبيد. ذلكم ـ يا عباد الله ـ هو السعيد في عيده.
فاتقوا الله، وطهروا قلوبكم من الرذائل والأدران، وأعمالكم من كل ما يتنافى مع السنة والقرآن، تحظوا بفرحة العيد الحقة والفوز النافع الذي ذكره الله بقوله: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، وقوله تعالى: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر:61].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيّها المسلمون، اعلموا أنكم مستهدفون من أعداء الإسلام من المشرق والمغرب، ومن جميع طوائف الأرض ومللها، من يهود ونصارى ووثنيين وملاحدة، وإنهم ليتكالبون على المسلمين ـ كما وصفهم نبينا ـ كما يتداعى الأكلة إلى قصعتها، وهل رأيتم ـ عباد الله ـ قصعة تكالب عليها الأعداء أكبر من قصعة الإسلام؟! والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. إن هذا الدين عزيز، وإن الله ناصره ومظهره، والعاقبة لأهله. فينبغي على أمة الإسلام أن تتنبه للخطر العظيم القادم.
فيا أمة الإسلام، هذا دينكم وشرع ربكم وسنة نبيكم بين أيديكم، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ. فوالله، وبالله، وتالله، لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وإياكم والمحدثات من المناهج والأفكار والأهواء والطرق والآراء، فإن خير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والعياذ بالله.
¥