تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنَّ الأمَّة حين تخلَّت عن أمرِ الله صارت مهينةً مستكينَة، يطؤها الخفُّ والحافر، وينالُها الكافِر الماكر، وثِقت بمَن لا يفي بالعهود، وأسلمَت نفسَها للعدوّ اللدود، وتلَّت جبينَها لذابِحها، ومنحت رباطَها لخانقِها، على حسابِ دينها وأمنِها وحاضرِها ومستقبلِها، في عالَم الكذبِ والخِداع والمكرِ والأطماع، حتّى باءت بالسُّخطتَين وذاقت الأمَرَّين، ولا ينفَع اليومَ بكاءٌ ولا عَويل، وليس الآنَ ثمَّةَ مخرجٌ لهذا الهوان إلا صدقُ اللجَأ إلى الله، فهو العظيم الذي لا أعظمَ منه، والعليّ الذي لا أعلى منه، والكبير الذي لا أكبر منه، والقادرُ الذي لا أقدرَ منه، والقويّ الذي لا أقوى منه، العظيمُ أبدًا حقًّا وصدقًا، لا يُعصَى كُرهًا، ولا يُخالَف أمرُه قهرًا.

أيّها المسلمون، ما أصابنا اليومَ إنّما هو بسبَب ذنوبِنا وإسرافِنا في أمرنا وما فعله السّفهاء منا.

يا أمّة محمّد، آن للمنكرَات أن تُنكَر، آنَ لقنَوات الخزيِ أن تُمنَع وتُكسَر، آنَ للرّبا أن يُهجَر، آنَ للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أن يَظهَر، آنَ لبلادِ الإسلام أن تتطهَّر، آن لدين الله أن يُنصَر، آنَ للأمّة أن تتذكَّر قولَ سيِّد البشر محمّد: ((من التمَسَ رضا الله بسخطِ النّاس رضي الله عنه وأرضى عنه الناسَ، ومن التَمس رضا الناسِ بسخَط الله سخِط الله عنه وأسخطَ عليهِ الناس) وفي لفظٍ: ((من أرضى اللهَ بسخط النّاس كفاه الله، ومن أسخطَ الله برضا النّاس وكله الله إلى النّاس))، وعلى الأمّة أن تحذَر في هذا الوقتِ كلَّ ناعق ومنافقٍ ممَّن لا تؤمَن غوائلهم، ولا تَقِف مكائِدهم، الذين أزكَموا الأنوفَ بنَتَن هذيانِهم وعفَن أباطيلهم وخطراتهم، التي ضرَّت وجرَّت على الأمّة من الويلات والنّكبات ما جرّت، سيماهم التّرامُز وديدنُهم التغامُز، ينادون بالانفِتاح، ويسعَون إلى تغريب الأمّة، وجوهٌ كالحَة، ونواصِي كاذِبة، وأفكارٌ خاطِئة، تُثير البلبلَة، وتخلُق الخَلخَلة، وتزرَع بُذور الفُرقة في وقتٍ نحتاج فيه إلى اجتماعِ الكلمَة ووَحدة الصّفِّ والتّعاضُد والتّساند.

أيّها المسلمون، إنَّ ممَّا يُذيب القلبَ كمدًا ويعتصِر له الفؤادُ ألمًا أن ترى بعضَ المسلمين ـ ونحن في هذه الأحداثِ المؤلِمة ـ وهم في غفلةٍ معرِضون، لاهيةً قلوبُهم يلعبون، نرى صوَرًا مريضَة شائِهة ونفوسًا تائهة تلهو في أحلكِ الظّروف، وتمرَح في أخطرِ المواقف، وتهزَل في مواطِن الصّرامة، وتلعَب في زمَن البلاءِ والبأساء والضّرّاء، غفلةٌ عن النّذر، وإعراضٌ عن التّذكِرة. ها هي البيوتُ قد مُلئت بالمنكرات فما دفعناها، ها هي المعاصي كثُرت في المجتمعات فما منعناها، ترخُّصٌ بَغيض، وتساهلٌ مقيت، واستهتار مُميت، فأينَ تعظيمُ شعائر الله يا من تعصون؟! أين الوقوفُ عند حدود الله يا من تعتَدون؟! أين الذين هم لربِّهم يَرهبون؟! أين الذين هم من خشيةِ ربِّهم مشفِقون؟! أين الخوفُ والوجل؟! أين الخشيةُ من سوءِ العمَل؟! لقد قُوِّض بنيانُ العفاف، وطُوِّحت جُدران الفضائِل، جِيلٌ في ريَعان الشّباب وغضاضة الإهاب قد ارتَضع لبانَ سوء، وسقط في مستنقَعٍ موبوء، فمن الذي أوردَه معاطبَ الهلاك؟! من الذي أسقطه في تِلك الأشواك؟! ما أشدَّ المفارقةَ وأبعدَ المشابهة بين الأمسِ واليوم، هُوّة عميقةٌ وبَون واسعٌ وفرق شاسع.

أيّها المسلمون، إنَّ أجيالنا اليومَ تتعرَّض لسُعار الفسادِ وطغيان التّغريب وداءِ التّمييع والإهمال، وسيسألنا الله عن تضييع هذه الأجيال، فهل أعدَدنا جوابًا؟! وهل سيكون الجواب صوابًا؟! يقول رسول الهدى: ((كلّكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيّته، فالأمير راع، والرّجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدِه، فكلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته)) أخرجه البخاري.

أيّها المسلمون، إذا فشِلنا في هذا الجِهاد جهادِنا مع أنفسنا وإصلاحِ مجتمعاتنا وأجيالِنا فسنفشل في كلّ ميادين القتال وساحات النزال، إنَّ كلَّ الضّرباتِ الموجِعة والهزائم المتتابعة والنّكسات المُفظِعة التي نتلقّاها يومًا بعد يوم إنّما هي بسببِ إضاعتِنا للعهد الذي استخلفَنا الله لتحقيقه، ومكَّننا في هذه الأرض لتطبيقِه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير