تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال النبي في حجة الوداع يذكرنا بتلكم الحقيقة: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) متفق عليه. فحذار حذار من المساس بعرض المسلم وماله ودمه، اجتنب ذلك كما تجتنب الإساءة لبيت الله الحرام، فيا ويح من يغتاب المسلمين ويقذفهم ويبهتهم ويكذب عليهم ويخونهم، ويتعرض لبناتهم ونسائهم، كل ذلك عرض له يحرم المساس به. ويا ويح من سفك دم مسلم بغير حق، ذلك الدم الذي أضحى يراق من هنا وهناك. فوالله إن هدم الكعبة وخرابها أهون عند الله من قتل رجل مسلم أو المساس بعرضه وماله.

رابعًا: في هذا اليوم يقبل العبد ليذبح ذبيحته فيقول: "بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك فتقبل مني"، فتأمل هذه الكلمات، وقف مليًا أمام قولك: "هذا منك ولك"، كيف تكون هذه الأضحية له تعالى؟ هل هو محتاج إلى أضحيتك؟! كلا وحاشا، قال تعالى: لَن يَنَالَ ?للَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـ?كِن يَنَالُهُ ?لتَّقْوَى? مِنكُمْ [الحج:37]، وقال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ?لْعَـ?لَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذ?لِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ?لْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163]، فشعيرة الأضحية هي من شعائر الله التي تنادي بتوحيد رب العالمين، فأخلص نيتك وأصلح طويتك، ولا تكن من الذين قدموا هذه الأضاحي للمفاخرة بين الناس، أو لإفراح الأولاد، وإلا كنت كاذبًا في دعواك، فما أشدّ بلواك، ومن هنا تأخذ درسًا عظيمًا في الإخلاص لرب العالمين، إذ تذهب وتقطع جزءًا من مالك وتشتري به أضحية تقربها إلى الله، توسّع بها على عيالك، وتتقرب بالمحبة إلى جيرانك، وتسدّ بها جوع الفقراء من إخوانك.

خامسًا وأخيرًا: يجب على المسلمين أن يتطلعوا من وراء عظم هذه العبادات والشعائر الظاهرات، فالحج ومن بعده عيد الأضحى فيها إشعار كبير وكبير إلى أن هذا الدين الحنيف ماض إلى قيام الساعة، فعلى مر الدهور وعلى كر العصور لا يزال بيت الله الحرام يطاف ليل نهار، يؤمه الناس من كل حدب وصوب على الرغم من الضربات الموجهة من قبل أعداء المسلمين كل يوم له، وأي نظام وأي مبدأ وأي مذهب لو تحالف عليه الأعداء كما تحالفوا على الإسلام لانهدم صرحه وانقضّ سقفه في عشية أو ضحاها، ولكن الله تعالى من وراء ذلك التمكين والتأييد والتثبيت، الذي قال وقوله الحق: هُوَ ?لَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِ?لْهُدَى? وَدِينِ ?لْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ?لدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ ?لْمُشْرِكُونَ [التوبة:33]، ولو كره الكافرون.

انظروا إلى القنوات التي تنشأ كل يوم بالعشرات، قنوات وإذاعات تحاول إغراق شباب المسلمين وخيرتهم في مستنقع الشهوات، انظروا إلى دائرة المعارف المسيحية والأرقام المذهلة التي تذكرها لمحاولة صدّ المسلمين عن دينهم، ففي سنة 1990م أنفقت سبعين مليار دولار في بعثات التنصير، وفي عام 1980م أنفقت مائة مليار دولار، وفي عام 1985م أنفقت مائة وخمسة وعشرين مليار دولار، ولها ألف وخمسمائة وثمانون محطة راديو وتلفزيون، وواحد وعشرون ألف صحيفة وجريدة ومجلة في ورق ممتاز لجلب القراء، وفي عام 1984م وزعت أربعة وستين مليون نسخة من الأناجيل، كل ذلك لصرف المسلمين عن دينهم والشباب خاصة عن عبادة ربهم، ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره، فيبعث شبابًا كل يوم إلى اعتناق دينه الحنيف ولو كره الكافرون، ليستمرّ هذا الدين ودعوة الأنبياء والمرسلين إلى قيام الساعة، ولا أدلّ على ذلك من استمرار هذه الشعائر الإسلامية ظاهرة رغم أنوف المجرمين.

نقول هذا لئلا ييأس الصالحون ولا يقنط المصلحون في زمن الغربة ووقت اشتدت فيه الكربة، فإن المؤمن لا يجزع ولا يكل ولا ينوح كما ينوح أهل المصائب، بل هو مأمور بالصبر والتوكل على الله، والثبات على دين الإسلام، وليعلم أن العاقبة للتقوى وأن وعد الله حق لا ريب فيه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير