ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 02:51 ص]ـ
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها المسلمون، حجاج بيت الله، ها أنتم تخطون خطواتكم المباركة في يوم الحج الأكبر في يوم النحر، تقبل الله حجكم وشكر سعيكم وأعطاكم سؤلكم وأتم لكم نسككم. ها أنتم تدرجون على ثرى هذه الأرض الطيبة المباركة الآمنة بأمان الله المحفوظة بحفظ الله، ثم هي بمن الله وكرمه محفوظةٌ بيقظة قادتها ورعاية مسئوليتها أعانهم الله وبارك في جهودهم وأجزل مثوبتهم وسدد خطاهم.
أرضٌ طيبة وتاريخٌ مجيد وحاضر زاهر وجوٌ عاتق تزدحم فيه هذه المناظر والمشاهد حيةً نابضة تختلط فيه مشاعر العبودية وأصوات التلبية ونداءات التكبير والإقبال على الرب الرحيم في هذه الأجواء الفواحة والأمواج المتدفقة يغمر قلب المتأمل شعورٌ فياض بإنتماء هذه الأمة إلى هدف واحد وغاية واحدة الرب واحد والنبي واحد والدين واحد والدستور واحد، إنه شعورٌ ومناسبة تستدعي من المؤمن وقفة تأمل وموقف نظر في سنن الله في التغير وأحوال الأمم.
أيها المسلمون، حجاج بيت الله، تمر الأمم في تقلبات بين الجزر والمد، وتعمل سنن الله عملها في الناس والأحداث والأشياء، ومن ثَمّ تكون الآثار والنتائج والجزاء العادل، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى? يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ?لْقُرَى? بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]، والأيام بين الناس دول والزمن في أهله قُلب والحياة بإذن الله أدوار وأطوار، فالقوي فيها لا يستمر أبد الدهر قوياً، والضعيف فيها لا يدوم مدى الحياة ضعيفاً، وما هذه المداولة والأدوار وما تلك التقلبات والأطوار إلا ليجري الله حكمته ليبلوا وليمحص وليميز وليمحق وَتِلْكَ ?لاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ?لنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ?للَّهُ ?لَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَ?للَّهُ لاَ يُحِبُّ ?لظَّـ?لِمِينَ وَلِيُمَحّصَ ?للَّهُ ?لَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَمْحَقَ ?لْكَـ?فِرِينَ [آل عمران:140، 141].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أمة الإسلام، حجاج بيت الله، وعلى ضوء سنن الله على هدي كتاب الله، فلننظر في أوضاع أمتنا، ولنتدبر مواطن ضعفنا وقوتنا، ولنراجع علاقتنا مع ديننا وأعدائنا.
إن الخطب لعظيم، وإن أمر الإصلاح لكبير ولكنه يسير على من صدق الله وأخلص لله، أمةٌ أصر الأعداء على تمزيقها ووضعوا خططا لتفريقها وتداعوا لنهب حقوقها وقتل روح الدين والعزة فيها، تسلطوا على الشعوب والديار منذ ما يزيد على قرنين من الزمن ومزقوا الأرض قطع وصيروا الأهل شيعا وفرضت مناهج من التربية والتعليم مسخت العقل والفكر، وسادت ثقافة أفسدت السلوك والخلق، فلا ديناً حفظت ولا دنيا أقامت، أعداءٌ تخرج حمم البركان من أفواههم وأقلامهم وإعلامهم، تخرج قذائف هائلة من الحقد المروع والبغض الدفين قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر.
أيها المسلمون، لا يقال ذلك استعداءً ولا افتراءً ولكنه محفوظٌ موثق بل تحمله الصحف السيارة والمبثوثات الطيارة والمؤلفات المنشورة، فجر الآلاف والمئين من أبناء المسلمين، فجروا إلى غير مأوىً صالح ولا هدفٍ واضح، الغذاء غير موجود، والعمل غير ميسور، يعيشون بنفوس محطمة، وآمالٍ تائهة، فقدوا الآباء والأمهات والأبناء والأزواج والقريب والعشير.
تمد إليهم كسرٌ من الخبز وقطعٌ من كساء وجرعاتٌ من دواء، ملطخة بكثير من المن، ومغلفةٌ بغلاف المسخ من حقوق الإنسان.
قد نال ذلك دولاً مسلمة وأقليات مسلمة في الشيشان والبوسنة وكشمير وطاجيك وبورما وتايلند، وإياك أن تنسى فلسطين الحبيبة وأرضها السليبة وقدسها الشريفة، استولى اليهود وعبثوا واقتحموا وأحرقوا بل لقد داسوا المساجد والمقدسات وقتلوا الصائمين والمتعبدين والركع السجود، عدوانٌ على الجميع غاشم وظلم عليهم جاثم، إحراق الأراضي والقلوب، صار فيها الأخضر يبساً، والأمل يأساً، يقتلون ويعذبون على الطريقة الفرعونية سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَـ?هِرُونَ [الأعراف:127]، لقد أصبح العدو يولوا بلا مواربة، ويصرخ بالعداء من غير دبلماسية، لم تعد الأخبار ولا وسائل الإعلام تحمل إلا أبناء الإسلام والصراع مع
¥