ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 03:01 ص]ـ
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا إخوةَ الإيمان في كلّ مكان، أيّها المسلمون في أمّ القرى بلدِ الله الحرام، حجّاجَ بيت الله الحرام، خيرُ ما يوصَى به الأنام تقوَى الله الملكِ القدوس السلام، فاتقوا الله ـ عبادَ الله ـ في السِّرِّ والإعلان، وزكّوا بواطنَكم من الأوضار والأدران. اتَّقوا الله في الغيبِ والشهادةِ تحوزوا والحسنى وزيادة، وتحقِّقوا السعادةَ والسيادة والقيادة والريادة، يِـ?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ إَن تَتَّقُواْ ?للَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَ?للَّهُ ذُو ?لْفَضْلِ ?لْعَظِيمِ [الأنفال:29].
معاشرَ المسلمين، أيّها الحجّاجُ الميامين، ها قد أنعم الله عليكم ببلوغ هذا اليومِ المبارَك الأزهر، وشهدتُم بفضله ومنِّه يومَ الحجّ الأكبر والمنسكِ الأشهَر، منسكٍ لا تُحصى فضائله ولا تُستَقصى نوائلُه، يوم عيد الأضحى المبارك، يجود فيه الباري جلّ وعلا بمغفرةِ الزلاّت وسَتر العيوب والسيّئات وإقالةِ العثرات وإغاثةِ اللّهفات ورفع الدرجات وإجابة الدعوات وقَبول التوبات. طوبى لكم ـ أيها الحجاج ـ ثم طوبى على ما تنعمون به من غامِرِ الرَّوحانياتِ وسابغ الإيمانيات، دموعُكم لرضوان الله مطَّردة، والضُّلوع منكم بالأشواق متَّقِدة، كيف وقد عانيتُم في عرفةَ من الإجلال والمهابةِ والخشوع والخضوع والدّموع والإنابة ما يكاد يذهب بالمُهَج ويأخذ بالألباب.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا.
عبادَ الله، من الشعائر العظمَى التي يتقرّب بها المسلمون إلى ربِّهم في هذا اليوم الأغرّ ـ يستوي فيها الحجّاج والمقيمون ـ شعيرة ذبح الأضاحي، اقتداءً بخليل الله إبراهيم ونبيِّ الله وحبيبه محمّد عليهما الصلاة والسلام، يقول تعالى: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَـ?دَيْنَـ?هُ أَن ي?إِبْر?هِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ?لرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ?لْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَـ?ذَا لَهُوَ ?لْبَلاَء ?لْمُبِينُ وَفَدَيْنَـ?هُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:103 - 107]. وخُلِّدت بذلك سنّةُ النّحر في عيد الأضحى لتبقى شامةً غرّاءَ على عظيم الاستسلام والإيمان، وآيةً كبرى في الإذعان لأوامِر الواحِد الديّان، ولتبقى حادثةَ الفداء أيضًا عبرةً وعنوانًا لتربية الأبناءِ في طاعةِ وبرِّ الآباء، لَن يَنَالَ ?للَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـ?كِن يَنَالُهُ ?لتَّقْوَى? مِنكُمْ [الحج:37]، أي: ينالُه طاعتُكم وما وقر في قلوبكم من خشيته وتعظيم أمره.
أيّها المسلمون، أيّها المضحّون، ويحسُن التذكيرُ في هذا المقام بجُملةٍ من أحكام وسُنَن الأضحية، فقد أجمع أهلُ العلم على أنّ الأضحيةَ لا يجوز ذبحُها قبلَ وقتِ صلاةِ عيد يوم النّحر لما ورد عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((إنَّ أوّلَ ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلِّي، ثم نرجع فننحَر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنّتنا، ومن نحر قبلَ الصلاة فإنما هو لحم قدّمه لأهله، ليس من النسُكِ في شيء)) أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له [1]، وعن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: صلّى النبيّ يومَ النحر ثم خطب ثم ذبح وقال: ((من ذبح قبل أن يصلّي فليذبح أخرى مكانَها، ومن لم يذبح فليذبَح بسم الله)) أخرجه الشيخان [2].
وينتهي وقتُ ذبح الأضحية بغروب شمسِ اليوم الثالث من أيّام التشريق لقوله عليه الصلاة والسلام: ((وكلّ أيام التشريق ذبحٌ)) أخرجه الإمام أحمد وغيره [3].
ولا يجوز التضحيةُ بالمعِيبة عيوبًا بيّنة، لما ورد عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيّنُ عوَرها، والمريضة البيّن مرضُها، والعرجاء البيِّن ظلعُها، والكبيرة التي لا تُنقي)) أخرجه أحمد وأهل السنن [4].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ويُعتبَر في سِنّ الهدي والأضحية السنُّ المعتبَر شرعًا، وهو في الإبل خمسُ سنين، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الغنم نصفُ سنة.
وتُجزئ الشاة الواحدة عن الرجُل وأهلِ بيته، كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه [5].
¥