تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إخوةَ الإسلام، ومن المهمّات التي يجب أن يتوارَد عليها المسلمون في موسِم حجّهم المبارك ما تميّزت به الشريعة الغرّاء من منهج الوسطيّة والاعتدال في كلّ أبوابها ومقاصدها، فهي وسطٌ في العقيدة، وسَط في العبادات، وَسطٌ في المعاملات، وسطٌ في كلّ شيء، وَكَذ?لِكَ جَعَلْنَـ?كُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، فلا إعناتَ ولا غلوّ، ولا مشقّة ولا حرَج، ولا تنطُّعَ ولا شطَط، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ?لدّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]. ومن قواعدِنا الفقهية المشهورة: اليُسر ورفعُ الحرج، والمشقّة تجلب التيسير.

ولما انحرف فئامٌ من المسلمين عن منهاج الوسطيّة والاعتدال ظهرت فتنةٌ فاقِرة يقاسي المسلمون جرّاءها الكروب والمحن، فتنة زلّت فيها أقدامٌ وضلّت فيها أفهام، ألا وهي فتنة التكفير ـ أجارنا الله وإياكم ـ الدّاعية إلى الخروجِ على ولاة أمر المسلمين وإثارةِ القلاقل وزعزعة أمنِ الأمّة وشَرخِ صفّ جماعتها، وأسبابُ ضلال هذه النابتة فهمٌ منحرِف آحاديّ لنصوص الكتاب والسنة، ولله درّ الإمام العلاّمة ابن القيم حيث يقول:

ولهم نصوصٌ قصّروا في فهمها فأُتوا من التّقصير في العِرْفان [10]

ضاربين صَفحًا عن فهم الصحابة الأبرارِ الذين شاهدوا التنزيلَ وأدركوا التأويل، مطَّرحين أقوالَ السلف الأخيار وأئمّة التفسير والفقه واللّغة، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءامِنُواْ كَمَا ءامَنَ ?لنَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ ?لسُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ?لسُّفَهَاء وَلَـ?كِن لاَّ يَعْلَمُونَ [البقرة:13].

إنّ الذين يؤلّبون المسلمين على وُلاة أمرهم ابتغاءَ الفتنةِ والفوضَى ويسعَون في الأرض فسادًا وتدميرًا وإرهابًا وإرعابًا وتفجيرًا واستحلالاً للدّماء المعصومة من المسلمين والمعاهَدين والمستأمَنين باسم الإسلام ودعوى الإصلاح بإفكِهم لَمَا هم عليه من أبطَل الباطل، وأشدِّه تنكُّبًا عن دين الإسلام الأبلج، وأعمقِه مخالفةً لدعوة رسول الهدى وسواءِ المنهج، يقول تعالى: مِنْ أَجْلِ ذ?لِكَ كَتَبْنَا عَلَى? بَنِى إِسْر?ءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ?لأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ?لنَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]. الله أكبر، أيّ وعيد وتهديدٍ أبلغُ وأزجر من هذا؟! ويقول عليه الصلاة والسلام: ((من قتل معاهَدًا لم يَرح رائحةَ الجنة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا)) أخرجه البخاري [11]. وهل يعني الولاءُ والبراء ـ يا عبادَ الله ـ اتخاذَ المستأمَنين والمعاهَدين والذمّيين غرضًا للقتل والترويع وسفكِ الدماء وتناثُر الأشلاء؟! يقول جلّ شأنه: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ?لْمَسْجِدِ ?لْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ?لْبرِ وَ?لتَّقْوَى? [المائدة:2]، ويقول سبحانه: لاَّ يَنْهَـ?كُمُ ?للَّهُ عَنِ ?لَّذِينَ لَمْ يُقَـ?تِلُوكُمْ فِى ?لدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَـ?رِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ?للَّهَ يُحِبُّ ?لْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]. والآية دليلٌ على سماحةِ الإسلام ويُسره واعتداله وموقفِه المنصفِ من المخالفين.

أمةَ الإسلام، إنّ قضيّة التكفيرِ الخطيرة ناجمةٌ عن انحرافٍ وغلوّ، وقد نُهينا عن الغلوّ في الدين لأنّه سبب هلاكِ الأوّلين: يَـ?أَهْلَ ?لْكِتَـ?بِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ غَيْرَ ?لْحَقّ [المائدة:77]. والغلوّ مذموم في جانب الوجود والعدم والفِعل والترك، كما أنّ الإرهابَ مذموم في الأسباب والبواعث والمقدّمات والنتائج والأفعال وردود الأفعال، إضافةً إلى أنّ امتطاءَ صَهوةِ التكفير يبعثُ عليها جهلٌ مركَّب في فهم مسائلَ من الدين كالولاء والبراءِ والجهاد والحدودِ والدماء، وقد بلغت حدًّا يوجِب التصدّي له من قِبَل أهل العِلم بالحجّة والبيان والدليل والبرهان، حراسةً لشبابِ الأمّة الغضّ من الهُويّ في عينِها الحَمِئة والتمرُّغِ في أوحَالها النّتِنة، يقول: ((من رمى أخاه بالكفر أو قال: عدوّ الله وليس كذلك إلا حار عليه)) [12]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من قال لأخيه: يا كافر فقد باءَ بها أحدُهما)) عياذًا بالله، خرّجه مسلم في صحيحه [13].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير