تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنَّ على وسائل الإعلام المرئيّة والمسمُوعة والمقروءَة، وعلماءِ الشريعَة الموقِّعين عن ربّ العالمين المؤتمَنين على ميراث النبوّة، والدعاةِ ورجالِ الحِسبة، أن يربطوا المسلمين وفِتيانهم بمنهاج الوسطيّة السلفيَة المعتدِلة التي جاءت بها شريعَة الإسلام، ودلّت عليها نصوصُ الكتابِ والسنّة بفهمِ سلَف الأمّة، وتمثّلتها مهبِط الوحي ومنبع الرسالة، فكان أن سَطع بأساطينِ قيادتها نورُ الإيمان، وعمّ الأمنُ والأمان، وغدَت ثغرًا باسمًا في وجهِ الزمان، فضلاً من الله ومَنًّا، لا باكتسابٍ مِنّا، وَ?لْبَلَدُ ?لطَّيّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ [الأعراف:58].

إنَّ أمنَ بلاد الحرمين الشريفين قضيةٌ لا تقبَل المساومات ولا تخضع للمزايدات، ولا تهزّها الزوبعات والمهاترات، وقد بسط الله فيها أمنَه وأمانَه إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومن عليها وهو خير الوارثين، لا مكانَ فيها للعُنف والتخريبِ والإفساد والتأليب، وإن رغِمَت أنوفٌ من أناس فقل: يا ربّ، لا تُرغم سِواها.

أمّةَ الدعوة والإصلاح، ومن القضايا التي يجب أن تتواصى بها الأمّةُ وتحدِّدَ أصولَها وضَوابطها وتتَّخذها عنوانَ حِرصٍ للترابُط وتجاوز العقَبات والتحدّيات الدعوةُ للإصلاح الذي هو وجهٌ من وجوه حكمةِ بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، يقول تعالى على لسان شعيب عليه السلام: إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ?لإِصْلَـ?حَ مَا ?سْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِ?للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88].

والذين يتوجَّهون شطرَ الإصلاح المعتَبر ويحملون لواءَه لهم رجالٌ بَررَةٌ بالأمّة، يُسلِمونها إلى ساحاتِ الخير والقوّة، ولا يقودُ هذه الركابَ إلاّ كبيرُ الهمّة مَضّاء العزيمة، وسيكون الإصلاحُ مربحًا ومغنَمًا إذا انطلقنا فيه من إصلاحِ الذات والنظر في عيوبها وتهذيبها وأطرِها على سُنَن الهُدى، وأتبعنا ذلك بإصلاحِ الأسرةِ ولبناتها لأنها نواة المجتمع، وسيكون الإصلاحُ للعَلياء مرقاةً إذا بسطنا ظلالَه على المجتمَع والأمّة بما تقتضيه الحكمة والمصلحةُ من التدرّج والرفق ولأناة ومراعاة فقه المهمّات والأولويات.

ولمّا كانت الأهواءُ تجمح والمدارِك تختلِف وتتفاوَت كان لِزامًا اعتبارُ صلاح المصلِح وصفاءِ منهجه واستقامة آرائه؛ إذ لا يشفَع في هذه الأمانة الجُلَّى سلامةُ النيّة وحبُّ الخير ـ على أنهما محمدتان ـ مع ضحالةِ العلم وقصورِ النظر وضَعف الترجيح بين المفاسد والمصالح والخلطِ بين الثوابت والمتغيّرات. وبهذا تتفتّق أكمامُ الإصلاح على قول الحق سبحانه: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ?لْقُرَى? بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117].

ويؤكَّد هنا ـ يا رعاكم الله ـ على التحذير من الجانب المزعوم للإصلاح الذي يركَب مطيتَه بُعض المزايدين على الشريعة وذوي المغامرات الطائشَة والأطروحات المثيرة المتَّسِمة بالمخالفات الشهيرة واللاهثين وراءَ ركوب موجةِ حُبّ الشُهرة والظهور، وقد أوضحَ لنا القرآن الكريم ذلك غايةَ الإيضاح في جانب قومٍ لا خلاقَ لهم من المنافقين بقوله سبحانه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ?لأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ?لْمُفْسِدُونَ وَلَـ?كِن لاَّ يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12].

أمّة الإسلام الخيِّرة، أيّتها الوفودُ المباركة، تعيشون هذه الأيامَ وعلى ثرى البلد الأمين الأفيَح سرورَ العيد وأُنسَ التعارُف والتآلف، وتنعَمون بنسائِمِ الرحمة والأخوّة الإسلامية الحانية، في هذه المواكبِ المهيبة الفريدة، ولكنّنا نذكّر في غمرَة الأسى بأنّ أمّتنا الإسلاميّة لا تزال تتجرّع المآسيَ والحسرات وتتلقّى الويلات والنكبات، القوارعُ تنوشُها من كلّ حدَبٍ وصَوب، والخطوب تؤمُّها من كلّ مضيق وطريق، تبدّدَت قواها، وانقصمت عُراها، وحيثما أجلتَ النظرَ أدمَت عينيك وقرّحت فؤادَك توازعُ الأشلاء ونزيف الدماء واغتصابُ الأرض والعِرض، والعدوّ المتربِّصُ يجدّ في خنق أنفاسِها وتجاهُل قضاياها، ولا مخلِّصَ لها من هذا الذلِّ والهوان إلا الاعتصامُ بالوحيين وأن تتنادَى وتتواصى بالوحدة الإسلامية المسيكة على مَرِّ الفُرصِ والمناسبات، تحقيقًا لقولِه سبحانه: إِنَّ هَـ?ذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير