ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 03:07 ص]ـ
الخطبة الأولى
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أما بعد: أيها المسلمون، إن دين الله الإسلام بني على أسس وقواعد ثابتة، دين من عند ربنا يرسم الأحكام والنظام، تتلاقى فيه أحكام الشريعة مع نزاهة المشاعر، وتتوازن فيه الأوامر مع الزواجر، دين كامل شامل يخاطب العقل والقلب، هو الهدى المغني عن تجارب الخطأ والصواب، وهو الصراط الحق الواقي من الكبوة والعسار، أحكام الإسلام لا يختلف فيها صحيح النقل مع صريح العقل، ولا يتناقض فيها الوحي مع سليم الفكر، صفاء المعتقد والإيمان بالله هو أساس الفضائل ولجام الرذائل، يحتم على أهله الدعوة إليه والصبر على الأذى فيه، مصدره كتاب هداية جامع للسلوك الإنساني الصحيح، جمع كل شيء وما فرط فيه من شيء، والسعادة الحقة لا تكون إلا في صدق الإيمان والارتباط الصادق المخلص بالواحد الديان، ومن قل نصيبه من الإيمان اختلت استقامته واعوجت سيرته فتراه لا يحمل رسالة ولا يقيم دعوة، ينحرف عند أدنى محنة ويضل عند أدنى شبهة ويزل لأول بارقة شهوة، دينه ما تهوى نفسه، وعقيدته ما يوافق هواه، قد لا ينقصه علم أو رجاحة عقل ولكن يفوته التوفيق والصواب.
أيها المسلمون، للصلاة في دين الله المنزلة العلية والرتبة السامية، فهي عمود الإسلام وركن الملة ورأس الأمانة، بها صلاح الأعمال والأقوال، أداؤها نور في الوجه والقلب وصلاح للبدن والروح، تطهر القلوب وتكفر السيئات، تجلب الرزق والبركة وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِ?لصَّلو?ةِ وَ?صْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَ?لْعَـ?قِبَةُ لِلتَّقْوَى? [طه:132].
ومن المحافظة عليها أمر الأهل والأقربين بها والأخذ على يد المفرط منهم، وإن من أعظم المصائب وأقبح المعايب ترك الصلاة، من تركها عظمت عقوبته وطالت حسرته وندامته، وليس بعد ضياعها والتفريط فيها إسلام.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
في طيب المكسب وصلاح المال سلامة الدين وصون العرض، فلا تأكل إلا حلالا، ولا تنفق مالك إلا في حال، قال بعض السلف: "لو قمت في العبادة قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل إلى جوفك"، أكل الحرام يعمي البصيرة وينزع البركة ويجلب الفرقة والشحناء ويحجب الدعاء، ولتكن النفوس بالحلال سخية، والأيدي بالخير ندية، يقول علي: (من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فإن قام لله فيها بما يجب عليه عرضها للدوام والبقاء، وإن لم يقم لله بما يجب عليه عرضها للزوال والفناء)، ومن وفق لبذل معروف أو أداء إحسان فليكن ذلك بوجه طلق وبشاشة مظهر.
وإن من خيار بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وخفض الجناح لليتامى والبائسين دليل الشهامة وكمال المروءة ويحفظ بإذن الله من المحن والبلايا.
أمة الإسلام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سياج متين تقوم به الأمة لتحفظ دينها ويدوم خيرها، فتحفظ الصالح من أمورها وشئونها وتقضي على السيئ والفاسد من أحوالها وأوضاعها ولا تستوفى أركان الخيرية لهذه الأمة إلا به كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِ?لْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ?لْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِ?للَّهِ [آل عمران:110]، بدونه تضمحل الديانة وتعم الضلالة وتفسد الديار ويهلك العباد.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الغيبة مظهر من مظاهر الخلل في المجتمع ودليل على ضعف الديانة، يقول الحسن البصري رحمه الله: "والله للغيبة أسرع في دين الرجل من الأكلة في الجسد" المبتلى بها ذو قلب متقلب وفؤاد مغتم انطوى على بغض الخلق قلبه، مؤتفك مريض، يحسد في السراء، ويشمت في الضراء، على الهم مقيم، وللحقد ملازم يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله: "فر من المغتاب فرارك من الأسد" ذو الغيبة صفيق الوجه لا يحجزه عن الاغتياب إيمان، ولا تحفظه مروءة، إن لكل الناس عورات ومعايب وزلات ومفالت، فلا تتوهم أيها المغتاب أنك علمت ما لا يعلم غيرك أو أنك أدركت ما عجز عنه غيرك، فظُن الخير بإخوانك، واعمل عمل رجل يرى أنه مجاز بالإحسان مأخوذ بالإجرام، والموفق من شغله عيبه عن عيوب الناس، ومن عزت عليه نفسه صانها وحماها، ومن هانت عليه
¥