أطلق لها عنانها وأرخى زمامها فألقاها في الرذائل ولم يحفظها من المزالق.
أيها المسلمون، رحم الإنسان هم أولى الناس بالرعاية، وأحقهم بالعناية، وأجدرهم بالإكرام والحماية، صلتهم مثرات في المال، ومنسأة في الأثر، وبركة في الأرزاق، وتوفيق في الحياة وعمارة للديار، يقول النبي: ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه)) رواه البخاري.
صلتهم أمارة على كرم النفس وسعة الأفق وطيب المنبت وحسن الوفاء، ومعاداة الأقارب شر وبلاء، الرابح فيها خاسر، والمنتصر مهزوم، وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها، وتشهد عليه بقطيعة إن كان قطعها.
واجعل عيد هذا اليوم منطلق لوأد القطيعة وطي صحيفة الشقاق والنزاع لوأدها مجالات واسعة يسيرة، فمن بشاشة عند اللقاء ولين في المعاملة إلى طيب في القول وطلاقة في الوجه، زيارات وصلات، تفقد واستفسار، مهاتفة ومراسلة، والرأي الذي يجمع القلوب على المودة، كف مبذول، وبر جميل، وإذا أحسنت القول فأحسن الفعل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: مَنْ عَمِلَ صَـ?لِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى? وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَو?ةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:97].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر خلق الخلق وأبدع الكائنات، الله أكبر شرع الدين وأحكم التشريعات، الله أكبر كلما ارتفعت بطلب رحمته الأصوات، الله أكبر كلما سكب الحجيج العبرات.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله المحمود على كل حال، الموصوف بصفات الجلال والكمال، المعروف بمزيد الإنعام والإفضال، أحمده سبحانه وهو المحمود في كل آن وعلى كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والجلال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الصادق المقال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل.
أما بعد: أيها المسلمون، زينوا عيدكم بالتكبير وعموم الذكر، يقول المصطفى: ((أيام العيد أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى)) وأدخلوا السرور على أنفسكم وأهليكم، واجعلوا فرحتكم بالعيد مصحوبة بتقوى الله وخشيته، ولا تنفقوا أموالكم أيام العيد فيما حرم الله، يقول علي: (كل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد).
وإذا غدا المصلى لصلاة العيد من طريق سن له أن يرجع من طريق آخر، فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن جابر أن النبي كان إذا خرج إلى العيد خالف الطريق.
معاشر النساء، إن من شكر الله تعالى في حقكن أن تلتزمن بأدب الإسلام فَلاَ تَخْضَعْنَ بِ?لْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ?لَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ?لْجَـ?هِلِيَّةِ ?لاْولَى? وَأَقِمْنَ ?لصَّلَو?ةَ وَءاتِينَ ?لزَّكَو?ةَ وَأَطِعْنَ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:32، 33]، وأطعن أزواجكن بالمعروف واحفظن أعراضكن والتزمن بالحجاب الشرعي بحشمة وعفة، وتصدقن ولو من حليكن.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
إن من أعظم ما يتقرب به إلى الله في هذه الأيام الأضاحي، يقول عز وجل: لَن يَنَالَ ?للَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـ?كِن يَنَالُهُ ?لتَّقْوَى? مِنكُمْ كَذ?لِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ ?للَّهَ عَلَى? مَا هَدَاكُمْ وَبَشّرِ ?لْمُحْسِنِينَ [الحج:37]، ويبدأ وقت ذبحها من بعد صلاة العيد إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، ولا يجزئ من الإبل إلا ما تم له خمس سنين، ولا من البقر إلا ما تم له سنتان، ولا من المعز إلا ما تم له سنة، ولا من الضأن إلا ما تم له ستة أشهر، وتجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، والبدنة والبقرة عن سبعة من المضحين، وأفضل كل جنس أثمنه وأغلاه ثمنًا، والسنة أن يذبحها المضحي بنفسه، ولا يجوز أن يعطي الجزار أجرته منها، ولا يجزئ في الأضاحي المريضة البين مرضها، ولا العوراء البين عورها، ولا العرجاء التي لا تطيق المشي مع الصحيحة، ولا الهزيلة التي لا مخ فيها.
وكلوا من الأضاحي واهدوا وتصدقوا وانبذوا عن أنفسكم الشح والبخل، وإذا عجزت عن الأضحية فاعلم أن رسول الهدى قد ضحى بكبشين أملحين أقرنين، أحدهما عن نفسه وأهل بيته، والآخر عن أمته.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل إِنَّ ?للَّهَ وَمَلَـ?ئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ...
¥