تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ مَا يُرَى في العَالمِ اليَومَ مِن غَلاءٍ فَاحِشٍ في أَسعَارِ المَوَادِّ الأَسَاسِيَّةِ وَالضَّرُورِيَّاتِ وَارتِفَاعٍ كَبِيرٍ في قِيَمِ السِّلَعِ وَالحَاجَاتِ وَانخِفَاضٍ في القِيمَةِ الشِّرَائِيَّةِ لِلعُملاتِ وَانحِبَاسٍ لِلأَمطَارِ وَقِلَّةٍ في البَرَكَاتِ فَضلاً عَن تَسَلُّطِ الأَعدَاءِ وَضَعفِ كَلِمَةِ المُسلِمِينَ، إِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لأَثَرٌ مِن آثَارِ ابتِعَادِ العِبَادِ عَن رَبِّهِم وَكُفرِهِم بِنِعَمِهِ وَغَفلَتِهِم عَمَّا خُلِقُوا لَهُ مِن عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَانشِغَالِهِم بما كُفُوا مَؤُونَتَهُ مِن طَلَبِ مَا زَادَ عَنِ الكَفَافِ وَعِمَارَتِهِم الدُّنيَا عِمَارَةَ مَن يَخلُدُ فِيهَا وَيَبقَى وَتَهَاوُنِهِم بِالآخِرَة تَهَاوُنَ مَن هُوَ بها مُكَذِّبٌ غَيرُ مُوقِنٍ، وَلَو يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُم إِلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُم فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا. وَإِنَّهُ وَاللهِ لا مُخَلِّصَ لِلعِبَادِ ممَّا هُم فِيهِ وَلا مُنجِيَ لهم ممَّا أَصَابَهُم إِلاَّ التَّوبَةُ الصَّادِقَةُ إِلى اللهِ وَالرُّجُوعُ الحَقِيقِيُّ إِلى حِمَاهُ وَالتَّخَلُّصُ مِن أَسبَابِ الغَضَبِ وَمُوجِبَاتِ العَذَابِ وَالعَمَلُ بما يَجلِبُ الرَّحمَةَ وَتُستَنزَلُ بِهِ البَرَكَةُ، وَإِنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ بِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ وَلُطفِهِ بهم وَإِرَادَتِهِ الخَيرَ لهم أَنْ يَبتَلِيَهُم بِأَنوَاعِ المَصَائِبِ وَالابتِلاءَاتِ؛ مِن تَأَخُّرِ الغَيثِ وَفَسَادِ الثَّمَرَاتِ وَغَلاءِ الأَسعَارِ وَنَزعِ البَرَكَاتِ وَظُهُورِ الأَمرَاضِ وَالأَوبِئَةِ وَالآفاتِ وَتَسَلُّطِ الظَّلَمَةِ وَالمُنَغِّصَاتِ، كُلُّ ذَلِكَ تَذكِيرًا لهم وَتَنبِيهًا؛ لِئَلاَّ يَتَمَادَوا في عِصيَانِهِم وَيستَرسِلُوا في غَيِّهِم، وَإِلاَّ فَلَو شَاءَ سُبحَانَهُ لَمَدَّ لهم وَأَمهَلَهُم وَوَسَّعَ عَلَيهِم، لِيَتَمَادَوا في طُغيَانِهِم وَيَلَجُّوا في عِصيَانِهِم، ظَنًّا مِنهُم أَنَّ ذَلِكَ عَن رِضًا مِنهُ عَنهُم، حَتى إِذَا فَرِحُوا أَخَذَهُم عَلَى غِرَّةٍ وَأَهلَكَهُم عَلَى حِينِ غَفلَةٍ، كَمَا فَعَلَ سُبحَانَهُ بِمَن لم يَتَذَكَّرْ مِنَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ، وَالتي أَخبَرَنَا سُبحَانَهُ عَن أَحوَالِهِم في كِتَابِهِ لِنَعتَبِرَ وَنَتَّعِظَ، قَالَ جَلَّ وَعَلا: وَلَقَد أَرسَلنَا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَأَخَذنَاهُم بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ فَلَولا إِذْ جَاءهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذنَاهُم بَغتَةً فَإِذَا هُم مُبلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ القَومِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَقَالَ سُبحَانَهُ: وَمَا أَرسَلنَا في قَريَةٍ مِن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذنَا أَهلَهَا بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَد مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذنَاهُم بَغتَةً وَهُم لاَ يَشعُرُونَ وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ أَفَأَمِنَ أَهلُ القُرَى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنَا بَيَاتًا وَهُم نَائِمُونَ أَوَ أَمِنَ أَهلُ القُرَى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنَا ضُحًى وَهُم يَلعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكرَ اللهِ فَلاَ يَأمَنُ مَكرَ اللهِ إِلاَّ القَومُ الخَاسِرُونَ أَوَلم يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرضَ مِن بَعدِ أَهلِهَا أَنْ لَو نَشَاءُ أَصَبنَاهُم بِذُنُوبِهِم وَنَطبَعُ عَلَى قُلُوبِهِم فَهُم لاَ يَسمَعُونَ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير