تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تقاضيهم قال المشتري: أصاب الثمارَ الدمانُ -وهو نوع من الأمراض التي تصيب الثمرة فتتلفها- والدمان مثل ما يصيب البلحة حين يأتيها شيء مثل الحمار، أشبه بلون الدم إلى اللون البني، فتصبح يابسة لا طعم لها، وربما أفسد الثمرة بالكلية، فيقول المشتري: أصاب الثمرة الدمانُ، أصاب الثمرةَ القشامُ، لأمراض وعاهات يذكرونها، فلما كثرت خصوماتهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها.

علامات بدو الصلاح في النخل علمنا الحكم وعلمنا الدليل فنحتاج إلى شرح هذه المسألة، فنقول وبالله التوفيق: النخلة كما ذكرنا تُطلع، وإذا أطلعت وتشققت وأبّرها الفلاح، تبقى ما لا يقل عن شهرين، فأول ما يخرج الكوز فيه الثمرة، وتنظر إلى العرجون الذي تراه حاملاً للثمرة بعد استوائها ونضجها، وإذا أخرجها الفلاح وغبرها، فقبل ما يخرجها تنظر إليها وإذا بها حبات مرتبة منسقة بنظام عجيب بديع غريب، وتتعجب من بديع صنع الله عز وجل، فإذا حضر موسم التأبير والتغبير فاذهب إلى المزرعة وانظر؛ لأن هذا مما يزيد العبد إيماناً بالله جل جلاله، وتحار العقول في بديع صنعه، قال تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ [السجدة:7]، حتى تحس بمعاني الآيات التي في كتاب الله جل جلاله، تنظر إليها وإذا بها في ذلك الكوز، وتنظر إلى الكوز نفسه فترى مادته الخشبية العجيبة في سماكتها وثخنها من الخارج، ولطفها ونعومتها من الداخل، وكيف أنه يحفظ الثمرة، وإذا بالثمرة تخرج بيضاء ناصع لونها نقية ليس فيها أي شائبة، أو أي خلل، أو أي ارتباك، بل متناسقة مرتبة منظمةٌ، الثمرة بجوار الثمرة بطريقة عجيبة بديعة، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء! سبحانه لا إله إلا هو! ووالله إن هذا يزيد من إيمان الإنسان، وينبغي لطلاب العلم أن ينظروا؛ لأن الله تعالى يقول: انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ [الأنعام:99] فالله تعالى ندبنا إلى هذا. فإذا نظرت إلى ذلك وجدته بهذه الطريقة، فيأتي الفلاح فيزيلها عن بعضها؛ لأنها مرتبة متناسقة، ويبعدها عن بعضها حتى يدخل الغبار فيما بينها، ويدخل لقاح الذكر فيما بينها، ثم يزيل هذا الوعاء، وتبقى مفتحة، وتبقى على مر الأيام بحساب دقيق عجيب غريب لا يمكن أن يتقدم أو يتأخر، فإذا به مدة زمنية معينة يكتمل كبر هذه الثمرة، ونضجها واستواؤها، لا يسبق زمانه ولا يتعداه أبداً. ومن أغرب ما يكون أن يكون لها موسم معين، يكتمل فيه جرمها وحجمها، وبعض النخل يكون طويلاً كالعنبرة -نوع من أنواع التمر طويل- وبعضها صغير الحجم كالعجوة، خاصة المسماة العجوة الثانية، وهي التي تنطبق عليها السنة، وهي الصغيرة، وهناك عجوة طويلة، وهي عجوة مستحدثة وقعت شبيهة بالعجوة، لكن العجوة التي ينطبق عليها السنة أكثر هي العجوة الصغيرة. فالشاهد أنك تجد هذه صغيرة الحجم، وتلك طويلة الحجم، ثم تجد الوسط بينهما، كالصفاوي، ثم تجد هذا حلواً شديد الحلاوة، بحيث إنك إذا أكلته لا تستطيع أن تتمالك نفسك من قوة الحلاوة، وكذلك العكس، فتجد منها ما عذوبته في حموضته، شيء من الحموضة فيه، وتجد ما هو وسط بين الاثنين. فهذا الاكتمال إذا مرت الأيام تبدأ هذه الثمرة تكبر شيئاً فشيئاً، وإذا رأيت الحبوب تجدها بقدر حبة الذرة على أطراف الشماريخ، وتمر الفترة الزمانية فتبدأ تكبر شيئاً فشيئاً، حتى يتناهى كبرها في الزمان المعين، فلا تتقدم ولا تتأخر، وفي مثل ذلك يقول تعالى: لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ [يس:40]، وكل شيء مقدر، والله تعالى قدر له لا يزيد ولا ينقص، فإذا جاء وقت اكتمال جرمه -وهذا أول شيء- فبعد أن يكتمل الجذر يأتي اللون، فيضربها الحمار ويضربها الصفار، فتنظر إليها في الأول وإذا بها خضراء في حالة الخضرة، وهذا يسمى في عرف الناس الصربان، أي: وهي في الخضار قبل أن يضربها اللون، فهذا الأخضر الغالب في الثمار لا يؤكل؛ لأنك إذا أكلته وهو في خضرته، كأن سقماً يضر الإنسان، ويعطى علفاً للدواب، ولكن مع كونه هكذا في الغالب فقد جعل الله تعالى منه شاباً، فمنه الأخضر الذي إذا جنيته أخضر يكون من ألذ ما يكون، وهو الذي يكون في صنف الحلوة المشهورة أخضرها عذب ويؤكل، وله نكهة ولذة كما تجد اللذة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير