تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

استباق العلامات وما الذي يعتبر به منها إذا علمنا أن عندنا علامة باللون، وعلامة بالطعم، وعلامة بالزمان، فبالنسبة للطعم واللون والزمان فلا إشكال إذا اتفق الكل، بمعنى طلع النجم وجاء الزمان وبدا الصلاح فأزهت النخلة فاحمرت واصفرت، أو طاب طعم ما كان أخضر منها، لكن الإشكال لو سبقت علامة الزمان الاحمرار والاصفرار، أو سبقت علامةُ الاحمرار والاصفرار طلوع النجم، فهل العبرة بالزمان الذي وضعه الله تعالى سنة كونية؛ للسلامة من العاهة في الغالب؟ أم العبرة بالحال والصورة؟ قال بعض العلماء: العبرة بأي واحدة منهما؛ لأن السنة دلت على هذا كما دلت على هذا، فأيُّ العلامتين ظهرت أو سبقت فالعبرة بها، والغالب أنه لا يسبق إلا باليوم أو اليومين والشيء اليسير، وهذا بقول أهل الخبرة: إنه لا يسبق إلا بالشيء اليسير. فنخرج من هذا بالخلاصة: أن بيع الثمر إذا بدا صلاحه في النخل، سواء كان باللون أم بالطعم، أم بالزمان، فإنه يحكم بجواز بيعه، سواء اتفقت هذه العلامات أم سبق بعضها، فإنه يعتبر موجباً للحكم بالجواز. هذا بالنسبة للنخل، ويبقى غير النخل، وفي الحقيقة من المستحب والأفضل لطالب العلم دائماً أن يكون على إلمام بمثل هذه الأشياء إذا كانت المسألة تتصل بالزروع والثمار؛ لأنك تُسأل وتُستَفَتى، وقد تكون في المدينة لا ترى شيئاً من هذا، لكن افرض أنك يوماً سافرت إلى قرية، فجاءك الفلاحون يسألونك: ما حكم الشرع في بيع النخيل والزروع والثمار؟ فينبغي لطالب العلم أن يكون عنده إلمام بمثل هذه الأشياء، فإذا جاء فصل التأبير ذهب ونظر وعرف التأبير، وكان الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله تعالى برحمته الواسعة يخرج مع طلابه، لكي يمتثل أمر الله عز وجل بقوله: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17] وكان رحمه الله تعالى يمسك بالبعير، ويجسه رحمه الله تعالى برحمته الواسعة، فيُعَوّد الإنسان نفسه على أنه يعرف الأشياء على حقيقتها، فإن كانت المسألة متصلة بالزروع والثمار سأل أهل الخبرة بالزروع والثمار. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، إذا ذكر المسألة أسهب فيها، كأنه يحسن هذا الفن والعلم، وقد ذكر مسألة الأهلة، فجاء يتكلم على منازل الهلال واختلاف المطالع حتى تكاد تقول: إنه فلكي، وفعلاً هو قد درس علم الفلك؛ لأنه لا يمكن أن يحكم بهذه الأشياء من كون المطالع تتفق أو تختلف، إلا إذا كان متقناً لعلمها، فإتقان العلوم وضبطها مهم، وعليه أن يرجع إلى أهل الخبرة وأهل النظر، ليصبح طالب العلم على بصيرة من أمره وعلى علم، حتى يمكنه ذلك من الترجيح في المسائل، فهذا أمر مهم جداً.

علامات بدو الصلاح في العنب وغيره إذا عرفنا المسألة بالنسبة للنخل، فتنتقل إلى العنب، فالعنب أول ما يخرج إذا خرج في عناقيده يكون صغير الحجم، وهذا الحجم الصغير لو أخذت منه حبة تكاد تكتوي من حموضتها، ثم يستتم يكبر شيئاً فشيئاً، حتى يبلغ قدره الذي قدره الله تعالى له، فيبقى على خضرته الغامقة، وإذا أكلته أكلته حامضاً، فإذا جاء وقت صلاحه تفتحت خضرته، وضربه الماء فإذا بلونه اليوم ليس كلونه بالأمس، وإذا بطعمه الساعة ليس كطعمه قبل أن يأذن الله تعالى بحلاوته، فيتموه، وهذا التموه هو بداية الصلاح. وإذاً يكون صلاح العنب بالطعم، وفي حديث عند أحمد رحمه الله تعالى: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسودّ)، وهذا في نوع خاص من العنب، يكون باللون، لكن بالنسبة لضابطه يكون بالطعم؛ لأنه أخضر، فينظر الطعم بالنسبة للعنب إلا في بعض أنواعه، كالأحمر الذي يكون غامقاً؛ فإن بداية صلاحه تكون بالحمرة الغامقة. ومما يبدو صلاحه بالطعم -أن يصبح حلواً بعد مرارته ويكون سكرياً- قصب السكر، فقصب السكر إذا أُكل قبل بدو صلاحه لا يكون له طعم، ولا يوجد له طعم العذوبة السكرية الموجودة فيه، فإذ بدا صلاحه كان طعمه مستعذباً، فقالوا: بدو صلاحه أن يحلو بعد مرارته. وفي بعض الأحيان يكون بدو الصلاح بلينه بعد يبسه، ومن أمثلته التين، فإن التين يبدأ يابساً، وتكون حياته صلبة شديدة، ثم بعد ذلك يبدو صلاحها فتلين شيئاً فشيئاً، حتى البطيخ، إذا كانت صلبة شديدة فاتَّقها، لكن إذا كانت رخوة فمعنى ذلك أنها قد بدا صلاحها، ولذلك تجدهم يضربون عليها حتى يستكشفون ما فيها، فقالوا:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير