تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بلد غني ووضع مليوناً، ثم سحب الحساب الجاري المليون وأعطي مليوناً وعشرة، نقول: لو قيل: إن هذا من باب مكافأة الدين لم يصح، أولاً: لأنه عائد من حرام والفرع تابع لأصله، وثانياً: أن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، فلما جرت عادة المصرف بأنه يكافئ على الوضع فيه، فكأنه حينما أودع فيه اشترط مسبقاً على المصرف أن يكافئه، وهذا عين المحرم؛ لأن كل شرطٍ جر نفعاً فهو ربا، والإجماع منعقد كما حكاه ابن المنذر والإمام ابن قدامة وغيرهم على تحريم ذلك. إذاً: مسألة وضع المال وإعطاء الفائدة بدون شرط مسبق، يصح تحريمها من وجهين: الوجه الأول: أن عائده من حرام والفرع تابع لأصله. الوجه الثاني: أن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً ولفظاً كما يقول بعض العلماء، فكأنه حينما جرت عادة المصرف بذلك فإنه يكون عند وضعه للمال كأنه قد رضي بذلك وطلبه فينزل منزلته. وهنا سؤال: لو أن شخصاً جاء ووضع المال في هذا النوع من المصارف، فدفع مائة ألف فأعطي أرباحاً (مائة وخمسة)، فهل يتركها أو يأخذها؟ الجواب: عندنا نصوص في الكتاب والسنة نرجع إليها إذا جئنا نحكم في المسائل ونركب بعضها على بعض، وقد أثبتنا أن الوديعة والحساب الجاري يعتبر قرضاً، والله تعالى يقول في القرض: فَلَكُمْ [البقرة:279] أي: هذا الذي تتملكونه وهو من حقكم: فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] فهو إذا سحب رصيده حينئذٍ يكون قد حقق المأمور به شرعاً، لم يظلم ولم يُظلم، وهذا بالنسبة للأصل العام، أنه إذا سحب رصيده وأصل ماله فإنه لا يظلم ولا يُظلم والنص آمر بذلك وملزم به، ودال على أنه إذا أخذ الزائد عنه فقد أخذ الحرام. وقد يقول قائل: لو أخذ الزيادة واستفاد منها بإنفاقها في مشروع خير أو نحو ذلك، لكان أفضل من بقائها، خاصة وأنها إذا بقيت ربما أخذت لأمور تضر بالمسلمين، فهل يأخذها ولا يتركها؟ نقول: هذا اجتهاد في مقابل النص، والنص يقول: فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] ثم لما اجتهدوا هذا الاجتهاد، وقالوا بجواز أخذ المال مع زيادة عادوا فقالوا: لكن لا تصرفها في بناء مسجد أو طبع كتاب، ولا تفعل بها أموراً فيها طعام أو شراب لمسكين، فيشتبه هو في هذا المال بعد حكمه بأخذه كيف يتصرف فيه؟ ودائماً إذا خالف الإنسان النص يقع في حيرة؛ لأنه إذا التزم بالنص ما عنده إشكال، ثم نقول: لو أنك أخذت رأس المال لم يقع الربا، فإذا قيل: له أن يأخذ الزيادة حتى لا تبقى عند الغير، عندئذٍ تحقق الربا، ولذلك احتار! إذاً: ما دام أن هذه الزيادة محرمة فلماذا نفتي بجواز أخذها؟ ثانياً: لو أننا أخذنا هذه الزيادة حتى لا يستضر المسلم بها، فإننا نقول: تركها أكثر منفعة للمسلمين؛ بل إنه أبلغ في دعوة الكافر وتنبيهه على فضل الإسلام، فأنت إذا جئت لكافر يتعامل بالربا في مصرفه وأخذت رأس المال، وقلت له: ديني يأمرني أن لا آخذ إلا رأس المال، يقول لك: كيف تترك ربحاً قدره عشرة آلاف، فهم يكادون يعبدون المال من شدة تعظيمهم له، ولا يتعاملون إلا بالدينار والدرهم، ولا يعرفون إلا المال، فإذا وجد أنك لا تأخذ المال الربوي وأحس بعزتك؛ لأن الكافر يغتاظ إذا رأى المسلم معتزاً بدينه، قوي الشكيمة في الحق، لا يريد إلا دينه وما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم. ثالثاً: هو بنفسه يشعر بفضل هذا الأمر الشرعي؛ لأنه يأخذ الدين من غيره، وغيره يطالبه بفائدة الدين فإذا وجد أنك لا تأخذ إلا رأس مالك، وقلت له: ديننا يأمرنا أن نأخذ رأس المال، فإنه يتأثر ويحس أن هذا الذي تقوله هو عين العدل، فقد يكون سبباً في التأثير عليه، وقد يكون سبباً في شعوره بفضل الإسلام، فالدعوة كما تكون باللسان تكون أيضاً بالجوارح والأركان، لأنك بتعاملك معه تعرفه حقيقة الإسلام، وأن الإسلام دين عدل، فاليوم يأتي شخص لا يأخذ الفائدة، وآخر يأتي بموقف اجتماعي يقول: الإسلام يأمر بكذا، فلا تزال تجتمع عنده محاسن الإسلام حتى تكون سبباً في هدايته، وقد حكى بعض طلاب العلم أنه وقع في ذلك يقول: ولم أرض أن آخذ هذه الزيادة، فطلبني المسئول، وسألني: لماذا لا تأخذ الزيادة؟ فقلت له: ديني يأمرني أن آخذ رأس المال فقط، قال لي: لماذا؟ فقلت له: لأني أنا أعطيتك عشرة آلاف فآخذ عشرة آلاف فقط،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير