تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إلا يمينه؛ وذلك لما رواه البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما: (البيِّنة على المدَّعِي واليمين على من أنكر)، فإن حلَف اليمين، فقد دفع بها التهمة أو الدعوى عن نفسه. إذاً: تمييز المدَّعِي عن المدّعَى عليه مهم، ولو أن قاضياً لم يعرف من المدَّعِي والمدّعَى عليه؛ لما استطاع أن يقضي؛ لأنه إذا لم يميِّز من الذي قوله يوافق الأصل، وقوله يوافق العرف، وقوله يوافق الظاهر؛ فإنه لا يستطيع أن يقول: ائتني ببينة؛ ولما عرف من الذي يُخاطَب بالبيِّنة، ومن الذي يُخاطَب باليمين، فلمّا قال صلى الله عليه وآله وسلم: (البينة على المدَّعِي واليمين على من أنكر)؛ لزم على القاضي أن يعرف ويميِّز بين المدَّعِي والمدّعَى عليه، قال الناظم: تمييز حال المدعي والمدعى عليه جملة القضاء وقعا فالمدَّعِي من قوله مجرد من أصلٍ أو عرفٍ بصدق يشهد وقيل من يقول قد كان ادّعَى ولم يكن لمن عليه يُدَّعى وقد شرحنا هذا وبيّناه، وبناءً على ذلك نطبِّق هذه القواعد التي سبق شرحها: أن المدَّعَى عليه يُنكر، ويقول: لم يكن، والمدَّعِي يقول: قد كان. أو يكون المدَّعى عليه قوله يوافق الأصل، والمدعي قوله يخالف الأصل. وهنا في مسألة الدين: قول من عليه الدين -وهو الراهن- موافق للأصل. وتوضيح ذلك: عندما نأتي عند سداد الدين -والمصنِّف رحمه الله من دقته أن أخّر هذه المسألة إلى آخر باب الرهن؛ والسبب في هذا: أنه عند بيع الرهن تقع الخصومات: هل الدين ألف، أو ألفان، أو ثلاثة؟ - فعندما نأتي عند سداد الدين فربما في بعض الأحوال يقع بينهما اختلاف في قدر الدين، فالسؤال الآن الذي يحتاج إلى إجابة: هل نقبل في قدر الدين قول الراهن أو نقبل قول خصمه؟ بمعنى: هل الذي يحدد قدر الدين هو الذي عليه الدين، أو الذي أعطى الدين؟ هذا سؤال لا بد له من إجابة. والجواب: أن المدَّعِي هو المرتهن، صاحب الدين، والمدّعَى عليه هو الراهن. مثل أن يقول صاحب الدين: عند محمد مليون، فقال محمد: بل دينك مائة ألف. فهنا وقعت الخصومة؛ لأن صاحب الدين ادعى عليه أكثر، فقال له: بل ديني مليون، فإذا قال محمد المديون: إن الدين مائة ألف، وقال عبد الله: بل مليون، فإننا متحققون وعلى يقين أن الدين مائة ألف؛ لأن كلاً منهما -الذي قال: مائة ألف، والذي قال: مليون- متفقون على أن المائة ألف موجودة؛ فالذي قال: الدين مليون قد أثبت وجود مائة ألف، وكذلك الذي قال: إن الدين مائة ألف، إذاً اليقين أنها مائة ألف، وشككنا فيما زاد عليها، فهذا الزائد نقول لصاحب الدين: أثبت وجوده. فدائماً نجد أن المديون مدّعَى عليه، وقوله موافق للأصل؛ لأننا قلنا: هناك أمارات للمدَّعَى عليه، منها: أن يوافق قوله الأصل، أو يوافق العرف، أو يوافق الظاهر، فهنا ثلاث حالات: يوافق الأصل كما في مسألتنا؛ لأن الأصل براءة ذمته حتى يدل الدليل على شغلها. فالأصل أنه لما ثبت اليقين عندنا أنه مديون بمائة ألف، ثبت كونه مديوناً، لكن المبلغ الزائد، الأصل براءة ذمته منه، حتى يَثْبُت أنه مديون بها؛ ونعتبرها دعوى يُطالَب صاحبها بالدليل. ولما قال له صاحب الدين: لي عليك مليون، فقال: لا، بل لك علي مائة ألف. فإنه منكِر للزيادة، فيكون مدَّعَى عليه، فقوله حينئذ مُعتبَر. فإذا قال العلماء: القول قول فلان، فمعناه: أنه مدَّعَى عليه. ودائماً نجد في باب الرهن، وفي باب الخصومات، وفي الحوالة، وفي العارية: القول قول فلان، ومعناه: أنه مدّعَى عليه، وأن خصمه هو الذي يُطالَب بالدليل. ...... مسألة نفي الرهن وما يترتب عليها من أحكام هذا في مسألة قدر الدين، وأن يكون المديون مقراً بأصل الدين، ولكن الخلاف فيما هو زائد، أما لو نفى كونه رهناً، وقال: إنما أعطيته عارية، ولم أعطه رهناً، وليس له عليَّ شيء، فحينئذٍ أنكر الدين أصلاً. فإذا أنكر الدين، وقال له صاحب الدين: بل أعطيتني هذا الشيء رهناً، وأنت مدينٌ لي، فبعض العلماء يقول: إن الرهن وصفٌ زائدٌ على العارية، فيُطالَب من يدَّعِي الرهن ويدّعِي كونها محبوسة بالدليل؛ لأن الأصل ملكية الشخص لهذا الشيء، فإذا ادعاه رهناً، فمعناه: أنه يريد أن ينقل عنه الملكية في المآل. فنقول لمن يدعي أن هذا الشيء رهن: أثبت أنه استدان منك، وعليه فهناك عدة مسائل: فتارةً ينفي الدين، فإذا نفى الدين فيُطالب صاحب الدين بإثبات كونه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير