تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ [العاديات:9 - 11]. الأمر الثاني: الحرص على الخلق الحسن: (فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، وسلموا من زلات جوارحه وأركانه، ولذلك ينبغي للمسلم دائماً أن يراقب تصرفاته وأفعاله، والله إنهم ينظرون إليكم نظرة قد لا يشعر الإنسان بقدرها، ولكنه لو تتبع مشاعر الحجاج والعمار، لوجدهم يراقبونه في كل تصرفاته، فكم من أمور يراها الحجاج ويراها المعتمرون تثبت من الخير والطاعة والبر، حببت إلى قلوبهم حينما رأوها من جيران بيت الله الحرام، وهذا شيء نعرفه من كلام الناس، ومن كثرة ما تناقلوه، فهم إذا قدموا على الحرمين ورأوا الخير من أهل الحرمين أحبوا الخير واقتدوا بهم، واهتدوا بهم، والعكس بالعكس، والأخلاق هي شيمة المسلم، إذا أراد الله أن يثقل ميزان العبد رزقه الخلق الحسن، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من شيءٍ أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من تقوى الله وحسن الخلق). ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: (تقوى الله وحسن الخلق). وثبت في الحديث الصحيح أنه قال: (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، فالعبد إذا حسنت أخلاقه، وطابت شمائله، وكان أليفاً موطأ الكنف، فإن الله عز وجل يثقل موازين حسناته بذلك، ومن هنا قال صلى الله عليه وآله وسلم مبيّنا فضل هذه الخصلة الكريمة، والخلة الجليلة العظيمة: (ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون)، هؤلاء إخوانكم في الله، وإخوانكم في الإسلام، وإذا لم يتراحم المسلمون فيما بينهم، ولم يحصل بينهم الألفة والمحبة والمودة والأخوة الإسلامية، والأخوة الإيمانية، فأين تظهر؟! وإذا لم يكن جيران بيت الله الحرام يفعلون ذلك فمن الذي يفعله؟! هم ينتظرون منكم أن تفتحوا لهم صدوركم وقلوبكم بالمحبة والمودة، لا تنظروا إلى الناس بألوانهم، ولا تنظروا إلى الناس بغناهم وثرائهم، ولا تنظروا إلى الناس بمناصبهم ولا بجنسياتهم، ولكن انظروا إلى أخوة الإسلام التي بينكم وبينهم، وتنظر إلى كبيرهم كوالدٍ لك، وتحبهم وتجلهم لله وفي الله، والابتسامة التي تبتسم بها في وجه أخيك المسلم صدقة، فكيف وهم في غربة وبعدٍ عن الأوطان، مع مشقة السفر وعنائه، فإذا جاء ولقي منك الابتسامة، وهو يراك شيئاً كبيراً، كيف تقع هذه الابتسامة في قلبه، الله أعلم كم من مهموم مغموم حينما يرى أخاه المسلم مبتسماً في وجهه، تتبدد عنه أحزانه وأشجانه، الابتسامة التي تراها يسيرة، ولكنها عند الله كبيرة، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق)، فإذا لقيهم المسلم يلقاهم بالابتسامة، ولا يبتسم من أجل الغنى واللون والحسن والنسب، لا، ولكن لله وفي الله، ومن أكمل الناس خلقاً الذي لا تفارق الابتسامة وجهه لأصغر الناس وأكبرهم، وطالب العلم الكامل هو الذي يبتسم للناس جميعاً بالإسلام، لا بأحوالهم، ولا بصفاتهم، ولا بمراتبهم، والله يعلم منه أنه يحب الكبير كما يحب الصغير، فإذا بلغ المسلم هذه المرتبة فهذه نعمة من الله، كذلك الكلمة الطيبة؛ فقد تجد منه ما يجرحك فتقابله بالكلمة الطيبة؛ لأنك تقدر مشاعره في غربته وتعبه ونصبه وعناء السفر، كذلك أيضاً ينتظرون منك الأخلاق الحميدة في تفريج الكربات وستر العورات، ولعل الله عز وجل أن يكف عن وجهك النار بصدقة تتصدق بها على ضيفه، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (اتقوا النار ولو بشق تمرة). وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أن امرأة دخلت على عائشة ومعها صبيتان، فاستطعمتها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة تمرة، ثم أخذت التمرة الثالثة تريد أكلها، فلما أدنتها إلى فمها استطعمتها إحدى البنتين، فأعطتها التمرة، فعجِبت عائشة من صنيعها! فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليها أخبرته بخبرها، فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا عائشة أتعجبين مما صنعت! إن الله حرمها على النار بتمرتها تلك). بتمرة واحدة حجبها الله بها عن النار، فكيف إذا جئت ووجدت أحدهم ضامئاً فسقيته الماء، فأطفأت حر ضمئه، فدعا لك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير