تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحق، والتبست عليه القضية لكثرة الأقوال فيها وكثرة الأدلة، وحصول شيء من التعارض والتضارب الذي لا يستطيع فيه أن يتبين؛ فإنه يرجع إلى الصلح وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما أنا بشرٌ مثلكم وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض). فالقاضي بشر، ومهما أُوتي الإنسان من الذكاء والفهم، فإنه قد يوقفه الله عز وجل في بعض القضايا مكتوف اليدين حتى يعلم فضل الله عليه، وأنه تحت رحمة الله، ومهما أوتي القاضي من علم وفطنة؛ فلا بد وأن يقف في بعض المواقف حائراً بقدرة الله عز وجل حتى يستكين ويذل لله عز وجل، وهذا معروف ومشهور في أخبار القضاة وأقضيتهم، ففي هذه الحالة إذا طغت الخصومة وتشعّبت الأدلة، ورأى القاضي من المصلحة أن يجمع بين الخصمين بالصلح، فحينئذٍ يُصلِح. وأما إذا تبين الحق. بمعنى: عرفنا أن زيداً له على عمرو ألف ريال، وأصبح الأمر لا لبس فيه، فيجب عليه أن يبت الحكم، إلا إذا خاف أن إمضاء الحق يُحدث فتنة أعظم، كما يقع بين ذوي الأرحام. فمثلاً: لو أن طرفين اختصما عند القاضي، وتبيّن للقاضي وجه الحق، كأن اختصموا في دم، أو عرض، وتبين للقاضي أن هذه الفئة ظالمة لهذه الفئة ولكن لو أصدر الحكم وبيّن الحق، فستحدث آثار أسوأ وأعظم من المصلحة المترتبة على قضائه، فإن خاف حصول فتنة عظيمة، أو حصول شحناء فحينئذٍ يصلح، وقد أشار بعض العلماء رحمهم الله إلى هذه الاستثناءات بقوله: والصلح يستدعي له إن أشكل حكم وإن تعين الحق فلا ما لم يخف بنافذ الأحكام فتنة أو شحناء للأرحام (والصلح يستدعي له): يعني: أن القاضي يصير إلى هذا الصلح. فيستدعي له الطرفين. (إن أشكل): يعني: غمَض عليه الحكم، (وإن تعين الحق فلا): لأنه إذا تعيّن له الحق، وعُرِف أن فلاناً ظلم فلاناً وتبيّن الحق، فإنه بدخوله في الصلح يوجب الريبة، فكأنه يشفع للظالم، وموقف القضاء دائماً ينبغي أن يكون حيادياً لا يميل فيه القاضي لأحد الخصمين دون الآخر. وقوله: ما لم يخف بنافذ الأحكام .. فتنة أو شحناء للأرحام. ففي بعض الأحوال يكون القضاء بين أقوام جُهَّال، أو بين أقوام بينهم فتنة عظيمة، وقلوبهم مليئة بالشحناء والبغضاء، ولكن رأى القاضي أن الأفضل أن يقرِّب بين الطرفين، وأن يُصلِح بينهم فيعدل عن الحكم بالقضاء إلى الجمع بين الطرفين بذلك، هذا بالنسبة لمسألة الصلح من القاضي ومن في حكمه. أما الصلح من عامة الناس، فالصلح يسعى له العلماء، ففي بعض الأحيان يتدخّل العالم بين طرفين، بين زوج وزوجته، بين عامل ومستأجره، وهكذا يدخل العالم ويدخل طالب العلم، ويدخل الرفيع الذي له شأن كشيخ العشيرة، وأمير القبيلة ونحو ذلك ممن لهم فضل ومكانة، وعندهم عقل وحكمة، وقد يدخل أُناس من عامة الناس عندهم شيء من العاطفة ومحبة الخير للناس، فيختلف أنواع الشفعاء. ...... أمور يجب مراعاتها في الصلح بين الناس فننبه على مسائل: ينبغي لمن يريد أن يُصلح بين الناس أن يراعيها: ...... الإخلاص لله منها: أن يعلم أولاً أنه يتردد بين نيتين إذا دُعي للصلح بين طرفين، فإما أن تكون نيته لله والدار الآخرة، وإما أن تكون للدنيا، فالشخص ينبعث للصلح بين الناس لعلمه بعظيم الثواب عند الله، وهو يستشعر قول الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، ويستشعر قول الله سبحانه وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207]. فهو يبيع نفسه لمرضاة الله سبحانه وتعالى. فإذا انبعث بهذه النية الصالحة، فإن الله عز وجل يُعظِم له الأجر، ويجعل جميع ما يقع من العناء والتعب والنصب في ميزان حسناته، وهذا بخير المنازل عند الله عز وجل. وكذلك -أيضاً- بحسن النية يُوفَّق إلى السداد، وقل أن يُصلح نيته إلا ألهمه الله عز وجل أصلح الأمور، ومن هنا قال بعض العلماء رحمهم الله: (من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس)، فمن أصلح ما بينه وبين الله بالنية الصالحة في الأمور، أصلح الله ما بينه وبين الناس من الشئون والأحوال. فمن أمثلة ذلك: إذا دخل في الصلح فأصلح ما بينه وبين الله بحسن النية؛ أصلح الله ما بينه وبين الناس، فعصَم لسانه عن الزلل، وعصم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير